في الوقت الذي تشهد فيه سوريا تدهورا فلكيا في سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار (اكثر من 4000 ليرة للدولار الواحد)، وهبوط أكثر من ثمانين بالمئة من الشعب السوري تحت خط الفقر المدقع (دخل متوسط الفرد 10 دولار شهريا)، واحتلال أراضيها من أكثر من قوة دولية، وميليشياوية، وآلة القتل والدمار الأسدي مازالت تسقط حممها على المدنيين وتقتل الأطفال والنساء، ومنظمات حقوق الانسان تطالب بمحاسبة كل من تلطخت أيديهم بدماء السوريين، وإصدار العقوبات الأمريكية على النظام بحسب قانون قيصر الذي كشف عن الآلاف الذين قتلوا تحت التعذيب.. وبعد عشر سنوات من الثورة التي أحرق فيها النظام الأخضر قبل اليابس، يطالب وزير الخارجية المصري سامح شكري بعودة سوريا إلى حضن الجامعة العربية. ما الهدف من هذا الطلب والجامعة العربية هي التي اتخذت قرار تجميد عضوية سوريا، وأكثر من دولة عربية أعربت أن الظروف المواتية لمثل هكذا عودة لم تكتمل بعد؟ هل هو تعويم النظام وإعطاؤه جرعة مقوية على المستوى الإقليمي على أقل تقدير قبل الانتخابات المزمع إجراؤها لتنصيب بشار الأسد لسبع سنوات عجاف أخر، أم أنه إضافة لمجموعة دول الثورة المضادة التي تخشى على نفسها تمدد الربيع العربي، أو عودة على بدء في دول أخرى مر عليها قبلا؟ وماذا سيقدم أو يؤخر نظام على وشك الإفلاس لجامعة هي بدورها على وشك التلاشي كمريض يتكئ على ميت؟ وهل هذه الجامعة التي نعرف من اسمها أنها جامعة دول وليست جامعة شعوب، خدمت شعبا عربيا واحدا ليخرج من محنته؟ ماذا قدمت للشعب الفلسطيني الذي مازال بعضه في مخيمات الشتات، ويعاني من أزمات البلاد التي لجأ إليها كما عانى اللاجئون الفلسطينيون في مخيم اليرموك في سوريا من قتل ودمار؟ ماذا قدمت للاجئين السوريين الذين ملأوا الأرض استغاثة ولا يزالون يعانون الأمرين في بلاد الشتات، ومخيمات اللجوء، والنزوح؟ إن مثل هذا الطلب هو استهتار، وإهانة للشعب السوري الذي دفع من دم أبنائه للتخلص من نظام الطائفية، والمحسوبية، والفساد، والإجرام. ثم ماذا قدمت هذه الجامعة لكل الأزمات التي مرت في العالم العربي منذ تأسيسها في العام 1946؟ إن أول اجتماع لها كان في العام 1964 بطلب من الرئيس المصري جمال عبد الناصر للوقوف في وجه مخططات اسرائيل لتحويل نهر الأردن، ولم تنفع قرارتها بشيء وتم تحويل النهر. وخلال فترة غياب دام ثمانية عشر عاما وقعت خلالها أحداث جسام (نكبة 48، حرب السويس 56، انفصال سوريا عن مصر 1961) لم تحرك ساكنا. ثم كل قرارات مؤتمراتها الأربعين كانوا حبرا على ورق، وأولها لاءات الخرطوم (لا تفاوض، لا تطبيع، لا اعتراف) تحولت إلى نعم للتفاوض، نعم للتطبيع، نعم للاعتراف. ماذا فعلت على سبيل المثال لا الحصر: في حرب لبنان، في الحرب العراقية الإيرانية، في حرب الخليج، في حرب الصحراء، في حرب اليمن، في حصار قطر؟ فكلام ليل الجامعة يمحوه نهار الواقع. وأن للجامعة العربية أن تغلق أبوابها. فهي تطلق جعجعة عندما تريد ولا ترينا طحينا. وعندما لا تريد فهي لا ترى، لا تسمع، لا تتكلم.