مهن مبتكرة تحت حكم نظام الوحدة والحرية والاشتراكية

طوابير الغاز في سوريا
طوابير الغاز في سوريا


لا أعرف كم من مرة اجبرنا على ترديد شعار وحدة حرية اشتراكية بعد أن كان يبعق عريف المدرسة بشعار أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة. وكلما مرت السنون كنا نكتشف أن كل كلمة في هذين الشعارين كانت عكس ما كان يعمل نظام البعث في الواقع، فهو كان يعمل للطائفية بدل الوحدة، ولقمع الشعب بدل الحرية، ولنهب سورية بدل الاشتراكية، أما الأمة العربية الواحدة فكان ضدها بل حتى وحدة سوريا لم يصنها. وقد أوصل هذا النظام الشعب السوري، أو ما تبقى منه تحت سلطته إلى حد من الفقر يعجز اللسان عن الوصف، حتى أن الناس للبحث عن لقمة العيش ابتكروا مهنا جديدة لم يكن لها وجود، بل لم تكن "لا على البال ولا على الخاطر" نذكر بعضا منها:

ـ مرتزقة: كانت كلمة مرتزق في أذهان السوريين تعني أنه إنسان لا مبدأ له، ولا قيم لأنه يقتل لعيش، ولم يتوقعون يوما أن الحاجة ستدفع بعضهم لأن يمتهنوا الارتزاق، ويقتلون للعيش، فاليوم المرتزقة السوريون الذين تجندهم "شركة الموت بالأجرة" فاغنر الروسية يقاتلون في ليبيا، وفي أوكرانيا مقابل حفنة دولارات لأنهم فعليا بحاجتها لإطعام عائلاتهم، لأن الليرة السورية صارت أرخص من قشرة بصلة، والراتب سيرلانكي، والمصروف أمريكي.

ـ صفاف بالأجرة: وهذه المهنة الجديدة تعني أن متيسري الحال في سوريا، لا يرغبون الوقوف في الطوابير الطويلة ليحصلوا على كمية من الخبز، أو شراء جرة غاز، أو سواها من الطوابير الطويلة، فسوريا "المنظمة" صارت دولة الطوابير، فالميسور بدل أن يقف ساعات طويلة يستأجر "صفاف" يقف مكانه لساعتين أو ثلاث حسب الطابور، فطابور الخبز يحتاج بين ساعتين وثلاث ساعات، أما طابور الغاز فيحتاج أكثر مقابل مبلغ من المال، وعندما يصل دور الصفاف إلى نقطة التوزيع يتصل بالميسور بالهاتف ليصل سريعا ويقضي حاجته. حتى أن بعض الأولياء يضعون أولادهم أيضا في أكثر من صف، حتى أن احدهم سأل جاره: ابنك بأي صف؟ ويقصد في المدرسة، فأجاب: إبني محمد بصف الغاز، وإبني عبدو بصف الخبز، وإبني خيرو بصف المازوت..

ـ سمسار كلاوي: ظهرت منذ فترة مهنة جديدة من أغرب المهن، وهي سمسار كلاوي، وهذا السمسار يعني أنه وسيط بين من يريد أن يبيع كلوته وبيع من يريد أن يشتريها ويصدرها، أو يتاجر بها محليا، فمرضى القصور الكلوي الذي يحتاجون إلى زرع كلى بات معروفا أن كلى الشباب السوري صارت للبيع, فكثير من الشباب يبيعون كلية بسعر يتراوح بين 10 آلاف و15 ألف دولار، ولكن بما أنهم لا يعرفون كيف يصلون إلى الزبون يتوجهون إلى سمسار الكلى وغالبا ما يكون طبيبا، أو عامل في مستشفى، ويتقاضي على بيع كل كلوة عمولته بالاتفاق مع الزبون.

هذه المهن هي من المضحكات المبكيات، لكن هذا هو الواقع اليوم. فمأساة السوريين لم تكتمل فصولا بعد.