عن القدس العربي
هل من نتائج الثورة السورية أنها أوصلت السوريين كي يصبحوا مرتزقة رخيصين ويقتلون بعضهم بعضا في حروب الغير؟ سؤال يطرح نفسه بحدة بعد زج آلاف السوريين في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل. فقد شاركوا في القتال بين الفصائل المتناحرة في منطقة قرة باغ إلى جانب أذربيجان في حربها مع أرمينيا وتكبدوا خسائر في الأرواح قدرتها بعض المصادر بأكثر من مئتي قتيل وثقتها أكثر من وسيلة إعلامية وبالأسماء. وفي ليبيا أشارت الوثائق والشهادات إلى أن هناك أكثر من 11 ألف مرتزق سوري يقاتلون مع طرفي النزاع إذ قامت مؤسسات روسية تعمل في تجنيد سوريين تحت سلطة النظام لإرسالهم لدعم قوات خليفة حفتر في حين جندت تركيا سوريين من المناطق تحت سيطرة المعارضة لدعم قوات الحكومة في طرابلس وهم لايزالون هناك ولم ينسحب منهم سوى عدد ضئيل.
السوق الجديدة
تشير المعلومات الأولية الواردة من سوريا أن فتح باب التطوع للقتال في أوكرانيا قد بدأ حتى قبل الغزو الروسي تمهيدا لإرسال مقاتلين إلى منطقة دونباس والدليل على أن حوالي 16000 مقاتل وصلوا في الأيام الأولى لاندلاع المعارك، بمعنى أنه لا يمكن ضم هذا العدد الكبير من المقاتلين في غضون بضعة أيام. وقد صرح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي منذ الأيام الأولى للغزو بوجود مرتزقة سوريين في أوكرانيا يقاتلون إلى جانب الجيش الروسي قائلا: “لقد جنّد بوتين جنودا من جميع أنحاء روسيا لإلقائهم في جحيم الحرب، والآن جاء بفكرة جلب مرتزقة سوريين ضد الشعب الأوكراني. إنهم يجلبون اللصوص من سوريا”، وفق تعبيره. ولم تكذب السلطات الروسية الخبر إذ وافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع للأعضاء الدائمين لمجلس الأمن الروسي بالقول: “نتلقى أعداداً هائلة من الطلبات من الشرق الأوسط للمشاركة في القتال بجانب الجيش الروسي في أوكرانيا، المتطوعون من دول مختلفة يرغبون في التوجه إلى جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين بغية المشاركة في ما يعتبرونه حركة تحرير، ومعظمهم من دول الشرق الأوسط حيث تجاوز عدد الطلبات عتبة الـ16 ألفاً، وفي هذه المسألة نعتبر من الصحيح الرد إيجابيا على هذه الطلبات، خاصة وأنها تأتي ليس لاعتبارات مالية بل بسبب الرغبة الحقيقية من هؤلاء الناس، ونعرف الكثيرين منهم وهم سبق أن ساعدونا في الحرب ضد داعش في أصعب فترة خلال السنوات العشر الماضية”. وأشارت بعض التقارير الى أن أكثر من 25 ألف مرشح قدموا طلبات للالتحاق بالجيش الروسي ينتمون إلى ميليشيا “جمعية البستان” التي كانت تابعة لرامي مخلوف ابن خال بشار الأسد وميليشيات أخرى قاتلت إلى جانب قوات الأسد.
«سفر برلك» روسي
في بداية الحرب العالمية الأولى أصدر السلطان العثماني محمد رشاد فرمان النفير العام “سفر برلك” لكل المسلمين المنضوين تحت السلطنة العثمانية، وقد تجند عشرات الآلاف من السوريين للدفاع عن السلطنة في جبال القفقاس حيث كانت تواجه الجيش الروسي الذي أعلن الحرب عليها. اليوم شبيه بالأمس ولكن بفارق أن السوري سيقف إلى جانب روسيا هذه المرة وبأمر من النظام السوري نفسه إذ يقوم النظام حاليا بدفع الشباب السوريين المطلوبين للخدمة العسكرية بإعطائهم الخيار بين التطوع للذهاب إلى أوكرانيا، وبين الخدمة على أطراف مدينة تدمر في البادية السورية التي تشهد هجمات تشنها خلايا تنظيم “الدولة” بشكل متواصل. وأشارت أوساط المعارضة الى أن روسيا طلبت من “الفيلق الخامس” التابع للنظام السوري إرسال بعض من قواته إلى روسيا، ومن “الفرقة 25” ومن “الدفاع الوطني”، وقالت وكالة “أسوشييتد برس” الأمريكية إن الجماعات شبه العسكرية الموالية للنظام السوري التي تضم عشرات الآلاف من المقاتلين، هم جميعا متطوعون محتملون للقتال إلى جانب روسيا في أوكرانيا. وأضافت أن “صفوف الجماعات شبه العسكرية الموالية للنظام في سوريا تضم عشرات الآلاف من ما يسمى بـ”قوات الدفاع الوطني” ومقاتلي “الميليشيات المسيحية” والمقاتلين الذين تركوا الجيش ونشطوا في حرب المدن وحرب العصابات، وميليشيا القاطرجي، وميليشيات حزب البعث هم متطوعون محتملون أيضا”. وهذا ما يبحث عنه الروس لأن مخططاتهم هي الدخول إلى المدن الأوكرانية ويحتاجون إلى متطوعين متمرسين في حرب الشوارع. المجلس الإسلامي السوري رفض تجنيد النظام للسوريين بهدف إرسالهم نحو أوكرانيا، وقال في بيان ” إن “الشعب السوري المطالب بحريته، والذي بذل التضحيات والشهداء في سبيل حريته وكرامته، يقف مع المظلوم ضد الظالم، ويقف مع كل معتدٍ عليه ضد المعتدِي، ويقف مع الشعوب في طلب حريتها وكرامتها ضد الغزاة والمحتلين والطغاة”. لكن هذا النداء لم يجد آذانا صاغية فتجنيد المرتزقة ليس من جانب واحد، إذ هناك من يعمل على تجنيد مرتزقة سوريين للقتال إلى جانب القوات الأوكرانية أيضا في مناطق المعارضة وحتى الرئيس الأوكراني كان قد دعا المقاتلين الأجانب إلى المجيء للقتال إلى جانب الجيش الأوكراني. وأعلن نائب وزير الداخلية الأوكراني يفين يينين أن المواطنين الأجانب المتطوعين للقتال في صفوف أوكرانيا سيكونون مؤهلين للحصول على جنسيتها.
من أجل حفنة دولارات
كما حصل في ليبيا حيث وجد السوريون أنفسهم مرة أخرى وجها لوجه ولكن هذه المرة ليس لاعتبارات تخص الشعب السوري وثورته ضد نظام الأسد، ولكن من أجل المال على أرض أخرى. واليوم يجدون أنفسهم أيضا وجها لوجه على الأراضي الأوكرانية، فالمتطوع يتقاضى مبلغا يتراوح بين 300 إلى 500 دولار وضمن شروط مجحفة إذ لا يحق له فسخ العقد قبل سبعة أشهر، ويتوقف راتبه مع انتهاء العقد حتى لو بقي في أوكرانيا، ولا يعود إلى سوريا سوى الأحياء منهم. ولا يتم تعويض عائلات القتلى. ورغم ذلك يفضل الكثير من الشباب السوري الانخراط في جبهات القتال من أجل حفنة دولارات لأنه في سوريا هو عاطل عن العمل، أو إذا كان يعمل فلا يتقاضى أكثر من 25 دولارا في الشهر لا تغني ولا تسمن من جوع في ظل ارتفاع الأسعار وتدني مستوى المعيشة وتعرضه أيضا للموت جراء الاقتتال والقصف المتواصل من قبل جميع القوى المتواجدة على الساحة السورية.