ذات صباح بعيد، وفي عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، نظر الشاعر جرول بن أوس العبسي "الحطيئة" إلى وجهه بالمرآة فرأى قبح وجهه فقال: أرى لي وجها قبح الله خلقه... فقبح من وجه وقبح حامله. وكان بن الخطاب قد رماه في بئر عقابا له لهجائه الناس. وكان هذا هو ذنبه الوحيد، واعتذر من أمير المؤمنين قائلا: ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ زغب الحواصل لا ماء ولا شجر... أرميت كاسبهم في قعر مظلمة فاغفر سلام الله عليك يا عمر.
كما رأى الحطيئة قبح وجهه في المرآة، وهجا نفسه وكان صادقا لأن المرآة عكست له حقيقته، فهل يجرؤ بشار الأسد في يوم الثورة السورية المجيدة التي قام بها شعب سوريا العظيم ضد حكمه وحكم أبيه، أن ينظر إلى نفسه بالمرآة ويرى حقيقته مجردة أمام المرآة؟ هل يرى قبح وجهه وما اقترفت يداه من سفك دماء مئات آلاف السوريين؟ هل يرى آثار استنشاق غاز السارين على أفواه مئات أطفال الغوطة المساكين، وآثار غاز الخردل على أفواه الأطفال الذين قتلهم خنقا في خان شيخون، وخان العسل؟ هل يسائل نفسه ماذا فعل بسورية وكيف عاث فيها فسادا ودمارا وخرابا، وجلب إليها كل زناة الليل ليسترقوا السمع على اغتصابها؟ هل يخجل من نفسه بأنه يخزن مالا في مصارف العالم تنوء به العصبة، والشعب السوري يتضور جوعا بسببه في الوقت الذي تجول فيه شبيحته القرى والمدن المنكوبة "ليعفشوا" بيوت النازحين واللاجئين الذين تركوا ديارهم بعد أن أمطرهم بقنابله وكأنه يقصف عدوا لدودا؟ هل يعي أمام المرآة بأنه أصبح إمعة بيد من شابهه ديكتاتورية ودموية وإجراما بوتين الرهيب، الذي قتل من السوريين ما قتل، ودمر ما دمر والآن يفعل بأوكرانيا ما فعل بسوريا، وخامنئي الذي قمع انتفاضة الإيرانيين ثم أرسل مليشياته الطائفية كي يفتكوا بالسوريين؟ هل يخجل من نفسه وهو يرسل مرتزقته إلى أوكرانيا لقتل الأبرياء والقيام بالأعمال القذرة كما فعل بسوريا والسوريين فقط ليظهر لولي نعمته بوتين أنه يناصره في حرب قذرة أخرى يقترف فيها من الأعمال الوحشية كما يقترف يوميا في سوريا؟ هل يفكر يوما بأن يعتذر من الشعب السوري ويرحل إلى الأبد؟ اليوم تكتمل السنة الحادية عشرة من الثورة السورية التي تخلى عنها العالم، وحيكت ضدها مؤامرة عربيةـ دولية، ورغم كل ما اقترفه بشار من جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، بقي بشار معتصما في قصر المهاجرين بفضل كل المرتزقة المجرمين الذين أحاط نفسه بهم، والدول العربية والغربية التي لم تكترث لمأساة شعب سوريا، ولكن إلى متى؟ يقول ثابت بن قرة الحراني: من عرف نفسه "تأله". لقد نصب بشار نفسه إلها وموالوه أرغموا الناس أن يعترفوا به كذلك، لكنه لم يعرف نفسه ليتأله. لقد كان الحطيئة أول من رأى حقيقة قبحه في المرآة من العرب، لكنه للأسف كان آخرهم، وحاكم سوريا الذي نصب نفسه إلى الأبد، مراياه لا تعكس له إلا الصورة التي ينسجها عن نفسه، ولن يطلب الصفح من الشعب السوري على كل الجرائم التي ارتكبها بحقه ويرحل إلى الأبد، إلا إذا رمي في بئر الحطيئة.