اليوم أكملت الثورة السورية السنة الحادية عشرة من عمرها، ومع كل سنة تمر يضاف سنة إلى حكم العائلة الأسدية، ومعاناة الشعب السوري. لقد انطلقت الثورة السورية تنادي بالحرية والكرامة، وهاتان الكلمتان تمثلان قيمتان إنسانيتان لا يمكن الاستغناء عنهما، وهي أن يعيش الانسان بكرامته حرا، وهذا ما حرم منه السوريون خلال نصف قرن ونيف، وجردوا من صفة الإنسانية، فصار قتلهم وتعذيبهم وتجويعهم وحرمانهم من أبسط مستلزمات الحياة مسألة فيها نظر بأعين العالم أجمع، والنظام يقوم بأبشع انتهاكات حقوق الإنسان، وجرائم الحرب وضد الإنسانية دون عقاب. ثورتنا السورية المجيدة قامت كعنقاء من الرماد دبت الهلع في النظام الطائفي المجرم، والوجل في كل الأنظمة المشابهة التي تخشى ان تخرج عنقاء آخرى من رمادها في بلدانهم. فالتقت مصالح المرتعدين من نقمة الشعوب المقموعة ليجهزوا على كل مطالبة بالحرية والكرامة. ثورتنا قامت تطالب بأن يكون الشعب السوري موحدا بشعار ردد من حناجر مئات آلاف السوريين: "واحد، واحد، واحد، الشعب السوري واحد" رغم محاولات النظام المستميتة لزج طائفة ضد أخرى، ووهمها أن الأكثرية التي يمثلها السنة بأنها سترتكب المجازر بها فقط لأنها وقفت مع النظام ضد مطالب الشعب السوري، مع أن الذي وقع خلال أكثر من نصف قرن هو العكس، فالذين وقعت عليهم المجازر والمهاجر هم الأكثرية. ثورتنا قامت لتقول: "لا للطائفية، ولا للعرقية" وطالبت بالمساواة لكل مكونات الشعب السوري، رغم كل ماضي التعسف، والفساد، والمحسوبيات، والقمع، والقتل، والتعذيب، والترهيب، بعد أن حولت عائلة الأسد سوريا إلى مزرعة أعطتها اسم: " سوريا الأسد"، وحولوها إلى دولة مخابرات، ومخدرات. لقد كانت بداياتها ثورة مجيدة، وثورة كانت ستقلب كل المفاهيم، وتطلق سوريا جديدة، سوريا خالية من أدران الماضي وشوائبه، وهذا ما جعل الذين ينعمون في مآسي الآخرين وظلمهم أن يسلكوا طريق الإجرام، أو دعم الجلاد ضد الضحية، لأنهم لا يريدون أن تكون سوريا دولة مؤسسات، حرة، مستقلة، ديمقراطية، ذات سيادة، تنعم بالحرية وتؤمن بمساواة الفرص، ولا فرق بين سني وعلوي، ودرزي واسماعيلي، ومسيحي وشيعي، وعربي وكردي، وتركماني وشركسي إلا بولائه وحبه لهذا الوطن الحاضن للجميع. لكن الخروج من النفق الأسدي لم يتم لأسباب خارج إرادة الثورة التي دفعت ثمنا غاليا من دماء أبنائها، لقد جاءت بسبب عسكرة الثورة التي سعى إليها النظام لأنه فيها يملك السلاح الأقوى، ولأن دولا خارجية كانت تبحث عن موطئ قدم في سوريا لإجهاض الثورة أكان بدعم النظام أم بدعم الميليشيات المسلحة التي أخذت طريقا لا يمت بصلة للمطالب الأساسية للشعب السوري، وبالغ بعضها في تعصبه لدرجة ارتكاب إعمال إرهابية الثورة السورية بريئة منها، ثم دعوة النظام لمحتلين جدد من روس وفرس وميليشيات طائفية لإنقاذه من السقوط. ومن معارضة سياسية لم تكن على مستوى هذه الثورة العظيمة كما وصفها رئيس وزراء قطر السابق الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني بأنها معارضة " سلطة " هذه المعارضة لم تقنع الشعب السوري الجريح ليكون ممثلها، واليوم تلعب فيها الأيادي الخارجية وتوجهها حسب مصالحها ورغباتها. باختصار فإن هذه الثورة المجيدة تجد نفسها اليوم تتجاذبها الأيادي، وكل طرف يعتبر نفسه أنه يخدم هذه الثورة، وفي الحقيقة كل طرف لا يخدم إلا نفسه. أما ثورتنا العظيمة فتحولت إلى ثورة يتيمة على مائدة اللئام.