أصدر المكتب الصحفي، التابع للمحكمة الإقليمية في “كوبلينز” ملخصاً (باللغة العربية) لنص قرار المحكمة بحق المدان أنور رسلان، الذي صدر بتاريخ 13 كانون الثاني 2022، هذا نصه:
حكم بالسجن مدى الحياة على شخص كان ينتمي لجهاز المخابرات السوري، بسبب جرائم ضد الإنسانية، وجرائم قتل، وغيرهما.
مجلس قضاء الأمور الجنائية الأول – مجلس قضاء حماية الدولة – التابع للمحكمة الإقليمية العليا في كوبلينز، أصدر حكماً على السوري الجنسية أنور ر. البالغ من العمر 58 سنة، بعقوبة سالبة للحرية مدى الحياة، بسبب ارتكابه "جرائم ضد الإنسانية" تتمثل في:
• إحداث موت،
• تعذيب،
• حرمان من الحرية بصورة جسيمة،
• اغتصاب وإكراه جنسي،
• جريمة قتل في 27 واقعة،
• جريمة اعتداء جسدي خطر،
• إلحاق إصابة جسدية خطرة في 25 واقعة،
• جريمة اغتصاب مشددة بصورة خاصة،
• جريمة إكراه جنسي في واقعتين،
• جريمة سلب حرية مستمر لمدة تزيد عن أسبوع في 14 واقعة،
• جريمة احتجاز رهائن في واقعتين
• جريمة إساءة معاملة سجناء جنسيا في ثلاث وقائع.
وفقا لنتيجة المرافعات وتمحيص مواد الإثبات، فإن "مجلس القضاء" يرى أنه تم إقامة الدليل وإثبات أن "المُدّعى عليه" أنور ر. كان في إطار هجوم واسع النطاق ومنهجي على السكان المدنيين السوريين، قام - بصفته مشاركاً في الجريمة - بقتل 27 إنسان، وبحرمان 4000 إنسان من الحرية الجسدية، وبتعذيبهم أثناء فترة الاحتجاز في الحبس.
الهجوم واسع النطاق والمنهجي على السكان المدنيين السوريين:
تحقق "مجلس القضاء" من وقوع الانتهاكات والجرائم التالية:
• منذ أواخر نيسان 2011 شن النظام السوري هجوماً ممنهجاً وواسع النطاق على السكان المدنيين في الدولة نفسها.
• في أوائل عام 2011 كان ما يسمى بـ"الربيع العربي" قد امتد ليشمل سوريا.
• عندما اتسع نطاق الاحتجاجات، تم تشكيل "خلية مركزية لإدارة الأزمة".
o هذه الخلية كانت خاضعة بصورة مباشرة لرئيس الدولة بشار الأسد، وكانت تصدر لكافة الأجهزة الأمنية الأوامر والتعليمات بالإجراءات الواجب تطبيقها للتصدي للاحتجاجات.
o الهدف من القرارات التي اتخذتها "الخلية المركزية لإدارة الأزمة" في نيسان 2011 كان يتمثل في قمع الاحتجاجات باستخدام السلاح، ومهما بلغ الثمن، لضمان استقرار النظام.
o الهدف المراد تحقيقه - من خلال ذلك - كان يتمثل في منع المشاركين في المظاهرات أو مسيرات التعبير عن الرأي، من مواصلة القيام بمثل هذه الأنشطة، وإلى ترويع أفراد الشعب بأكمله بصورة مستدامة، لحملهم على الامتناع عن المشاركة بمثل هذه الأنشطة.
o التعليمات الصادرة عن “الخلية المركزية لإدارة الأزمة” كان يتم تنفيذها من قبل جهاز المخابرات السوري، وغيره من الأجهزة الأمنية.
o قامت هذه الأجهزة بسحق المظاهرات الاحتجاجية، باستخدام أسلحة نارية مميتة.
o وكان - بصورة يومية – يجري إلقاء القبض على أعداد كبيرة من المعارضين الفعليين للنظام، وممن يشتبه في كونهم معارضين للنظام، وكان يجري اقتيادهم إلى مقرات أجهزة المخابرات، واحتجازهم في سجونها.
o هذه الأعمال، وأشياء أخرى – كان تمارس في كافة فروع جهاز المخابرات، بما في ذلك الفرع 251 التابع لجهاز المخابرات العامة السورية في دمشق.
• في الفرع 251، كان تُساء معاملة السجناء، وتعذيبهم دون الاستناد في ذلك إلى قضية أو إجراءات قضائية وفقا لقواعد دولة قانون. لم يكن العنف يُستخدم فقط بصورة فردية وعرضية، بل كان يستخدم في إطار استراتيجية شاملة للنظام، تهدف إلى حمل الشعب السوري على الانصياع والإذعان.
• توصل "مجلس القضاء" إلى قناعة بأن الهجوم على السكان المدنيين السوريين، كان موسعا من الناحية الكمية، وكان منهجيا من الناحية الكيفية.
الجرائم التي ارتكبها "المُدّعى عليه" أو شارك بارتكابها في سجن قسم التحقيق بالفرع 251
توصل "مجلس القضاء" إلى قناعة تامة بأن السجن الملحق بقسم التحقيق بالفرع 251 - التابع لجهاز المخابرات العامة السورية، في دمشق - كان في الفترة من أواخر نيسان 2011 حتى أوائل أيلول 2012 يضم ما لا يقل عن 4000 سجين، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من المعتقلين. ولدى استجواب السجناء والمعتقلين، كان يجري تعذيبهم بصورة وحشية وبطرق مختلفة، بما في ذلك – على سبيل المثال لا الحصر – الضرب بالكابلات أو الهراوات، الركل بالأقدام، الصعق بالتيار الكهربائي. وبالإضافة إلى ذلك، وبغية امتهان الكرامة والإذلال، كان السجناء يتعرضون للعنف الجنسي. وإلى جانب العنف الجسدي والنفسي، الذي كان السجناء يعانونه بأنفسهم، كانوا يعانون بصورة خاصة من صرخات الألم المنبعثة من زملائهم، الذين يتعرضون للتعذيب.
ومن اللافت أن المعتقلين كانوا يتعرضون لمختلف صنوف الإساءة من قبل عناصر الفرع، حتى خارج نطاق الاستجوابات. كما أنهم كانوا يُحتجزون في ظروف حبس لا إنسانية ومهينة، في زنزانات مكتظة بالسجناء، الأمر الذي كان يستحيل معه عليهم النوم. ولم يكن السجناء يتمتعون بأية رعاية طبية. أما المواد الغذائية، فكانت كمياتها غير كافية البتة، كما أنها في الكثير من الحالات غير صالحة للأكل.
في الفترة من أواخر نيسان 2011 حتى أوائل أيلول 2012، لقى 27 شخصا من المعتقلين حتفهم من جراء عمليات التعذيب، أو إجراءات إساءة المعاملة الأخرى، أو ظروف الاحتجاز في الحبس.
في ما يتعلق بدور "المُدّعى عليه"، فإن "مجلس القضاء" تحقق من أنه كان عضواً في جهاز المخابرات العامة السوري، وكان يحتل منصباً وظيفياً بارزاً في هذا الجهاز – رئيس "قسم التحقيق" في الفرع 251 المختص بدمشق ومحيطها، التابع لجهاز المخابرات العامة السوري – والذي يسمى أيضا "فرع الخطيب". وبناء على هذا المنصب كان "المُدّعى عليه" هو المسؤول عن السجن الملحق بقسم التحقيق، وبالتالي هو المسؤول أيضاً عما وقع في السجن من جرائم خلال الفترة من نيسان 2011 وحتى أيلول 2012. إذ أنه كان يراقب مجريات الأمور في السجن ويرفع تقارير بها، ويحددها بصورة جوهرية، أي أنه كانت لديه السيطرة على أحداث الجريمة. وعلى الرغم من أن "المُدّعى عليه" لم يقم بتنفيذ الجرائم بنفسه شخصياً إلا أن هذه الجرائم تُنسب إليه بناء على ما كان لديه من سلطة التقرير وإصدار الأوامر.
بناء على هذا السبب أدان "مجلس القضاء" "المُدّعى عليه" وحكم عليه بوصفه مشاركاً في الجرائم
"القتل بوازع من دوافع دنيئة"
في فترة ارتكاب الجرائم لقى 27 إنسان حتفهم في سجن فرع الخطيب من جراء عمليات إجراءات إساءة المعاملة.
يرى "مجلس القضاء" أن السمة المعيارية للقتل المتمثلة في "الدافع الدنيء" تتوفر تماما في شخص "المُدّعى عليه". ففي إطار خدمته الوظيفية لدى المخابرات السورية كان "المُدّعى عليه" يريد مكافحة خصوم سياسيين سلميين، وصولاً إلى تصفيتهم جسديا. هذه المكافحة كانت تهدف إلى الحيلولة دون سقوط النظام الشمولي. وبهذه الطريقة، كان "المُدّعى عليه" يريد أن يحافظ على وضعه الاجتماعي المرموق، كعقيد في جهاز المخابرات العامة، وعلى الامتيازات المرتبطة بذلك. من واقع ذلك تكشف لـ"مجلس القضاء" وجود "دوافع دنيئة".
عدم وجود حالة اضطرارية مبرِّرة
تبنى "الدفاع" وجهة النظر المتمثلة في أن "المُدّعى عليه" لا يمكن محاسبته على ما تم ارتكابه من جرائم، بسبب وجود حالة اضطرارية مبرِّرة، (حسب المادة 35 من قانون العقوبات). ذلك أن انشقاقه عن النظام السوري يمثل خطراً حقيقياً على حياته وحياة أسرته، وأنه كان واجباً عليه أن يخشى من انتقام النظام. لكن "مجلس القضاء" نفى وجود حالة اضطرارية مبرِّرة. إذ أن "المُدّعى عليه" تمكن من الهروب من سوريا في كانون الأول 2012. وبهذا فإن "مجلس القضاء" توصل إلى قناعة تامة بأن "المُدّعى عليه" كان بمقدوره مغادرة سوريا قبل كانون الأول 2012 بكثير.
بالنظر إلى جسامة الجرائم المرتكبة، كان من المبرَّر والمعقول بالنسبة "المُدّعى عليه" أن يتنصل من هذه الجرائم ويتجنب ارتكابها، حتى ولو أدى ذلك إلى تعرّضه لقدر أكبر من المخاطر الشخصية.