(عن القدس العربي)
يشعر السوريون، معارضين وموالين، أكثر من غيرهم أنهم معنيون بما يجري على الساحة الأوكرانية بعد غزو روسيا لها. فالمعارضون يرون أن حالة سوريا بعد أن غزتها روسيا مشابهة لأوكرانيا، بفارق أن الغازي الروسي في سوريا قد استخدم كل أسلحته في تدمير البنية التحتية في سوريا من مستشفيات، ومحطات طاقة، ومدارس، ومخابز، ومساكن، وأمعنت آلته العسكرية في قتل المدنيين وخاصة الأطفال، والتضييق على إرسال المعونات للمناطق المنكوبة، في حين أنه يتحاشى أن يقوم بهذه العمليات الإجرامية في أوكرانيا. كما أن الجيش الروسي جاء إلى سوريا لدعم نظام أجرم بحق شعبه، وقصفه بكل أنواع الأسلحة بما فيها الكيميائية، ودمر مدنه، وهجر أهلها، في حين أنه يعمل في أوكرانيا ضد نظام أوكراني يقف مع شعبه صفا واحدا في وجه الغازي الروسي.
مواقف متباينة: موقف النظام
منذ الطلقة الأولى ظهر التباين بين موقفي النظام ومواليه، وبين المعارضة السورية. ففي الوقت الذي هرول بشار الأسد، منذ أن فتح عينيه وأذنيه على واقعة الغزو الروسي، إلى مباركة مغامرة فلاديمير بوتين، الباحث عن مجد قيصري، وسوفييتي سالفين، بقوله، كشعراء المديح الرخيص في عصر الانحطاط: “مواجهة روسيا لتوسع الناتو هو حق لأنه أصبح خطراً شاملاً على العالم وأن الهيستريا الغربية تأتي من أجل إبقاء التاريخ في المكان الخاطئ وأن الغزو تصحيحٌ للتاريخ وإعادةٌ للتوازن إلى العالم الذي فقده بعد تفكك الاتحاد السوفييتي. إن روسيا لا تدافع عن نفسها فقط، وإنما عن العالم وعن مبادئ العدل والإنسانية، العدو الذي يجابهه الجيشان السوري والروسي واحد، ففي سوريا هو تطرف، وفي أوكرانيا هو نازية”
ولم تتحرك عضلة واحدة في وجهه خجلا من هذا التملق والإذلال، ومن تهجمه على الغرب الذي استقبله ذات اليوم بالأحضان ولم يحاسبه على ضرب المدنيين بالكيميائي، ولا بجرائم الحرب التي ارتكبها، بل أمر أئمته الذين تدربوا على أيدي مخابراته أن يجاهروا في خطبهم بتأييد الغزو، بل غالى أحدهم بالقول:” أنا أقول للقائد الفذ بوتين، أيها القائد العملاق، أيها القائد الذي حطمت أسطورة الأمريكيين في السطوة والعلو والجبروت، أعاهدكم أمام الله والتاريخ أنه إذا تعرضت روسيا الاتحادية إلى حرب من الإرهاب والإجرام عهدنا أمام الله سنحمل البندقية ونقف إلى جانبكم”
هكذا ربط بشار الأسد مصير سوريا بمخططات بوتين التوسعية بمباركتها والثناء عليها والوقوف في وجه هستيريا الغرب ولا بد من “التصحيح التاريخي” بتفكير يذكر غزوة والده للبنان والتنكيل باللبنانيين والفلسطينيين زهاء ثلاثة عقود قبل أن تطرده الأمم المتحدة بقرار من مجلس الأمن. والمضحك حتى البكاء ما جاء على لسان “شبكة البعث ميديا” الموالية أن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو وضع الأسد بصورة الموقف الميداني على الجبهة الأوكرانية وبالموعد المحتمل للعمل العسكري والأهداف الروسية من هذا العمل على الأرض”
وكأن شويغو قد جاء إلى سوريا، كعادته” دون استئذان ” وكأنه على أرض روسية ليرعى مناورات بحرية في مياهها ليأخذ الموافقة من قصر المهاجرين لغزو أوكرانيا.
موقف المعارضة
موقف المعارضة جاء على طرف نقيض لموقف النظام. «الائتلاف الوطني» المعارض دان بشدة الغزو الروسي إذ جاء في بيان له: “إلى أن الشعب السوري لا يريد أن يشهد المزيد من الإجرام الروسي المقترن بخذلان دولي في أي جزء جديد من العالم، بعد ما عانى وما يزال من مجازر روسيا وجرائمها في سوريا، لذا ندعو المجتمع الدولي وأطرافه الفاعلة ونخص الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى التدخل الفوري لردع بوتين ووضع حد لمطامعه التي لن تتوقف عند حدود أوكرانيا، وإلى أن التهاون مع العدوان الروسي في غزو الدول المستقلة ذات السيادة وقضم أجزاء منها سيشجع على تكرار هذا السيناريو في أماكن أخرى من العالم، وسيحرض مطامع الدول القوية في جيرانها الضعفاء، ما يعني خللاً عالمياً في الأمن والاستقرار وشيوع فوضى دولية عارمة، وأن الشعب السوري يعرف جيداً مآسي الحرب وويلاتها ومرارة الخذلان الدولي وبشاعته، لذا يعلن وقوفه إلى جانب الشعب الأوكراني الصديق ويدعم مقاومته للعدوان الروسي ويدعم دفاعه الشجاع عن وحدة بلاده وسيادتها”
وشدد «الائتلاف الوطني» على أن « إذا لم يتوحد العالم اليوم في مواجهة ديكتاتور روسيا المغرور فإن جرائمه ضد الإنسانية لن يكون لها حدود”، وخارج إطار الائتلاف أظهر السوريون المعارضون في الداخل والخارج تعاطفهم الكبير مع الشعب الأوكراني بمشاركتهم في المظاهرات التي انطلقت في أكثر من عاصمة غربية، وفي تفاعلهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي داخل أوكرانيا وضع رجل الأعمال السوري المقيم في أوكرانيا، خالد الفيومي، شركته في خدمة أوكرانيا بتقديم خدمات دعم الأمن السيبراني مجانا، وتقديم مبلغ مليونَي دولار كمساعدة في الأمن السيبراني للحكومة الأوكرانية. كما أن رجل الأعمال الأوكراني من أصل سوري طارق الجاسم أعلن عن تشكيل فصيل مسلح على حسابه الشخصي للدفاع عن أوكرانيا ضد الغزو الروسي.
المعارضة التركية
على الجانب التركي تقف تركيا في موقف حرج بعد أن باعت أوكرانيا طائرات بيرقدار التي ما فتئت تدك بأرتال المدرعات الروسية، واعتبرت السفارة الأوكرانية “أن تدمير رتل الدبابات الروسية بطائرات بيرقدار هو انتقام لتركيا بمقتل 34 من جنودها من قبل القوات الروسية في إدلب في شباط/فبراير 2020 فهناك شيء من العدالة الإلهية”.
في المقابل ومنذ بداية الغزو الروسي امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بتغريدات وهاشتغات تتهم السوريين بالجبن لأنهم فضلوا الهروب من سوريا بدلا من مواجهة النظام على عكس الشعب الأوكراني الذي قرر الدفاع عن أرضه.
واعتبرت بعض الصحف التابعة لأحزاب المعارضة أن النساء الأوكرانيات يقاتلن ببسالة في حين أن السوريين يعيشون حياة مرفهة في تركيا تاركين واجب الدفاع عن بلدهم، هذا الهجوم غير المنصف لم يذكر أن السوريين الذين فروا من سوريا لأن الجيش الروسي وجيش النظام دمروا كل المدن وقتلوا أكثر من نصف مليون سوري عدا الجرحى ومئات الآلاف من المعتقلين الذي انتهى بهم الأمر إلى الموت تحت التعذيب وهذا بتأكيد من معظم منظمات حقوق الانسان في العالم، بالإضافة إلى صور قيصر، وفيديوهات حرق جثث المعتقلين الذين قتلوا تحت التعذيب.
وهذا ما لا تستطيع أن تفعله قوات بوتين في أوكرانيا الذي يخشى محاسبة الغرب له على جرائمه.
هذا الغرب الذي كال بمكيالين، ولم يحرك ساكنا في المقتلة السورية من قبل الثنائي: الأسد ـ بوتين. وبما أن ” من يشعل الحرب لا يأمن عواقبها” فمغامرة بوتين في أوكرانيا لن تشبه مغامرته في سوريا، وقد تحرق النار يوما موقد النار.
كاتب سوري