سوريا في عين العاصفة الأوكرانية

بشار الأسد يستقبل وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو
بشار الأسد يستقبل وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو

عن القدس العربي

في العدد الصادر في الثلاثين من ديسمبر الماضي للقدس العربي كنا قد نوهنا بأن أزمتين دوليتين تؤثران مباشرة على الوضع في سورية: الأزمة الإيرانية، والأزمة الأوكرانية. اليوم تدخل الأزمة الأوكرانية مراحل حرجة جدا، والعالم يحبس أنفاسه بعد تأزم الوضع بين أمريكا وحلف الناتو وروسيا، وتزايد التحذيرات الأمريكية والغربية لروسيا من مغبة اجتياح أوكرانيا، والكثير من الدول التي طلبت من رعاياها مغادرة أوكرانيا فورا، واعتبار موسكو هذه التحذيرات هي محاولة للترويج والتحريض. وهذا عكس مدى قلق هذه الدول من احتمال اجتياح روسيا للأراضي الأوكرانية واندلاع مواجهات مسلحة بين البلدين من جهة وبين روسيا وحلف الناتو من جهة أخرى. أو انطلاق حرب باردة جديدة بين الدولتين العظميين وسباق تسلح يذكر بالحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي وحلف شمال الأطلسي خلال القرن الماضي.

حرب أو لا حرب

تتأرجح الآراء بين من يرجح غزو روسيا لأوكرانيا مع كل ما يترتب عليها من انعكاسات كارثية على المستوى العالمي، ومن يرى بأن الأمور لن تصل إلى نقطة اللاعودة وأن أحد الطرفين سيخطو خطوة إلى الوراء، أو أن أوكرانيا تتراجع عن طلبها للانضمام للحلف الأطلسي تفاديا لمواجهات عسكرية مع روسيا التي ستكون فيها أوكرانيا الخاسرة الأولى، كما حصل في أزمة خليج الخنازير في بداية ستينيات القرن الماضي في كوبا عندما نشرت موسكو صواريخ هددت فيها الولايات المتحدة واضطرت لسحبها بعد تهديد واشنطن بحرب نووية. وهذه المواجهات ستكون كلفتها كبيرة على المستوى الإنساني والمادي بالنسبة لأوكرانيا، وخسارة كبيرة لروسيا التي ستتعرض لعقوبات اقتصادية قاسية ستنعكس سلبا على الاقتصاد الروسي وعلى الشعب الروسي ككل. وقد حاول أكثر من زعيم أوربي الدخول في وساطة للتخفيف من حدة التوتر تحاشيا لمواجهات مسلحة لكن لم ينجح أحد منهم في مسعاه. وفي الوقت ذاته يتواصل تدفق شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا، إذ أعلنت كييف تسلمها شحنة صواريخ مضادة للطائرات من طراز "ستينغر" الأمريكية وذخائر وصلت من ليتوانيا، كما تسلمت ذخائر تزن قرابة 1500 طن في 17 شحنة جوية..كما عززت قواتها المسلحة بشكل كبير بمساعدة حلفائها وسلحت جيشها بشكل خاص بأسلحة أمريكية وبريطانية مضادة للدبابات وطائرات مسيرة تركية. وأعلن رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، أن كندا وافقت على إرسال أسلحة فتاكة إلى أوكرانيا، ومنح كييف قروضا بقيمة 500 مليون دولار كندي؛ لمساعدتها في الدفاع عن نفسها في مواجهة أي عدوان روسي.

العرب في أوكرانيا

تعتبر أوكرانيا إحدى الجهات التي يقصدها الطلاب العرب حيث يتواجد عشرات الآلاف في الجامعات الأوكرانية ومنهم عدد من السوريين، كما يوجد ومنذ فترة الاتحاد السوفييتي أعداد كبيرة من العرب الذين توطنوا هناك بعد أن وصلوا للدراسة أو للتجارة. ورغم أن دولا عربية مثل الكويت والعراق والأردن وفلسطين والبحرين وقطر ولبنان والمغرب قد دعت رعاياها لمغادرة أوكرانيا إلا أن معظمهم لن يغادرها، وحسب الوكالة الألمانية للأنباء التي أجرت تحقيقا مع طلبة عرب أفادوا أن الوضع في المدن الأوكرانية لا يزال طبيعيا حتى الآن ولم يتغير شيء، وكل المرافق تعمل كالمعتاد والجامعات رفضت السماح للطلاب بالمغادرة، ويشير البعض إلى ارتفاع أسعار تذاكر السفر بشكل جنوني ما يحول دون رغبة البعض بالمغادرة.

النظام السوري الحليف المؤيد لبوتين في غزواته

سوريا في عهد نظام الأسد هي من بين الدول القليلة التي تؤيد غزوات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ففي غزوته الأولى ضد جيورجيا في العام 2008 أيد النظام السوري روسيا واعترف باستقلال اوسيتيا وأبخازيا عن جيورجيا رغم قرار الأمم المتحدة رقم 1808 القاضي بسيادة جيورجيا عليهما، ولم تستطع الدول الغربية أن تثني بوتين عن شن حربه على جيورجيا ودعم استقلال اوسيتيا وأبخازيا. كذلك دعم النظام السوري بوتين في حربه ضد الشيشان منذ بدايتها في العام 1994 والتي ارتكب فيها النظام الروسي مجازر كبيرة في غروزني ( تذكر بالمجازر التي يرتكبها حاليا في سوريا) حيث قدرت أعداد القتلى المدنيين بحوالي مئة ألف قتيل، كما أيد النظام السوري ضم روسيا لشبه جزيرة القرم التي كانت تابعة لأوكرانيا في العام 2014 بعد أن أعلن بوتين بأن شبه جزيرة القرم هي جزء لا يتجزء من الاتحاد الروسي وإلى الأبد. واليوم يقف نظام الأسد، بطبيعة الحال، إلى جانبه في سياسته إزاء الأزمة الأوكرانية، بعد أن قام بوتين بإنقاذ نظام الأسد ومنعه من السقوط في العام 2015. بينما يقف السوريون المعارضون للنظام إلى جانب أوكرانيا إذ اعتبر بعضهم أن سياسة بوتين تجاه أوكرانيا ستكون شبيهة بالاحتلال الروسي لسوريا. وأن الغرب لن يكون قادرا على ردعه رغم التهديدات بالعقوبات كما فعلوا في سوريا.

أخطار تتهدد سوريا

قامت روسيا مؤخرا، بإرسال تعزيزات عسكرية لسورية لحماية قاعدتها البحرية في طرطوس، وقاعدة حميميم التي يشهد مطارها حركة متواصلة للطائرات الروسية التي تقل قوات ومعدات روسية، وكذلك طلبت من حليفتها بيلاروس ( روسيا البيضاء) أرسال 200 جندي بمعداتهم إلى سورية تحسبا لأية مواجهة مع حلف شمال الأطلسي، فالحرب إذا اندلعت بين روسيا وأوكرانيا من المحتمل جدا أن تصل شرارتها إلى مواقع أخرى، وخاصة سورية التي ستستخدم روسيا قواعدها فيها لمواجهة إي تدخل لقوات الناتو في البحر المتوسط. كما أن للولايات المتحدة وجود عسكري في شمال شرق سوريا مما يزيد مخاوف الروس من اشتباك محتمل. في موازاة ذلك يقوم الإعلام الروسي بحملة إعلامية يتهم فيها واشنطن باستخدام " المتطرفين" في سوريا لتنفيد عمليات ضد روسيا وإيران حسب نائب وزير الخارجية الروسي “أوليغ سيرومولوتوف” الذي قال:" تملك روسيا معلومات عن وجود خطط لدى الاستخبارات الأمريكية لتعبئة متطرفين نائمين في سوريا لتنفيذ عمليات ضد عناصر أمن وعسكري روسيا وإيران" فالوجود الروسي يمثل تهديدات صريحة على النفوذ الأمريكي سواء بمنطقة الشرق الأوسط ومصالحها في البحر المتوسط، قد تصطدم مع المصالح الأمريكية في سوريا والعراق والتي قد تسمح من خلال الميليشيات المسلحة المدعومة من الحرس الثوري الإيراني بتنفيذ ضربات ضد القوات الأمريكية وتسهيل تنفيذ تلك العمليات. فبكل المقاييس هناك عدة احتمالات بأن تكون سوريا في عين العاصفة الأوكرانية ما لم يتم نزع فتيل الأزمة قبل اللحظة الحرجة.

رياض معسعس