كان للسوريين، ولدول العرب بشكل عام، والخليجية بشكل خاص، رحلة الشتاء والصيف إلى لبنان. شتاء لبنان في فاريا، وضهور الشوير، وصنين بردها دافيء يجذب "المشتين" إلى دفء الطبيعة بمناظرها، والتزلج لمن استطاع سبيلا. وصيف لبنان شمس رحيمة في شتورا وصوفر وعاليه وبحمدون، وليله كازينوهات، ومقاه، ومطاعم على الروشة، وبيبلوس، وفتيات يضاهين أزرار الورد جمالا وجاذبية، وفنادق فخمة تطل على المتوسط، السان جورج، وفينسيا، والكارلتون.. بيروت كانت تستلقي على حافة المتوسط وتغط شعرها المسترسل كشباك صياديها في مياهه ليلا، وتمشه نهارا، وتستقبل سفن العالم المبحرة من كل ساحل فج عميق في مينا الحبايب. بيروت كعبة حجاج الأدب والفن وعشاق نسيم الحرية. كانت كفر سويسرا الشرق. ولأن لبنان كانت مهبطا لكل من فر من ظلم الظالمين في بلاد "البساطيلستان"، كان مخرزا في أعين الحساد، والمتربصين لغانية غنجة، ولنخلة تسقط تمرها خارج سور البساطيل، كان لابد من اغتصابها، وأن يعصف مقص الطائفية، والظلامية، والتسلط بغدائر شعرها المبلل بمياه البحر، وسمل عينيها الكحيلتين، ووقر أذنيها، وكم فمها، كي لا ترى، ولا تسمع، ولا تتكلم. اليوم لا أحد يحج إليها، واللبناني الذي كان يستقبل زواره على رصيف مينا الحبايب صار يبحث عن قارب تهريب يبحر به إلى المجهول ويغرق في الأزرق، لأن مينا الحبايب بات مينا لنيترات الأمونيوم التي حولته إلى أثر بعد عين، وصار لبنان رهينة لحزب الجوع والإفلاس والتهديد، صار اللبنانيون بنظر حزب الجوع ينقسمون إلى " صيصان" ومقاومين تابعين لبلاد " الملاليستان"، وصارت طريق القدس تمر من الزبداني، ومضايا، وبقين، وحمص، والقصير، وصنعاء، والحديدة، والمقاومة صارت ضد السوريين المطالبين بالحرية والتحرر من حلف بلاد " البساطيلستان". هذه البلاد التي لم نر منها سوى الإفلاس والخراب ووجع الراس. مع حزب الجوع صار النظام الصحي في لبنان على وشك الانهيار حسب تصريحات وزير الصحة، والمريض يبحث عن تحميلة في بلد "الصواريخ" ولا يجدها، واللبناني الجائع يشتهي الرغيف وصار ينبش في القمامات، والطفل عن علبة حليب. وصارت الليرة اللبنانية تباع بالكيلو، والكهرباء مقطوعة بسبب ندرة الوقود ومعها الإنترنيت، وطوابير السيارات بالكيلومترات للتزود بوقود شحيح، وتحول لبنان إلى جمهورية موز وكارتيلات مخدرات تصدر الكبتاغون والأميفيتامين. هذا الوضع صار يحاكي وضع سورية المدمرة، والمتهالكة. واللاجيء السوري في لبنان، كالنازح في سورية، صار وضعه يبكي الحجر في شتاء الثلج والمطر. اليوم تسعى فرنسا مع دول الخليج لإنقاذ شعب لبنان، ولكن لبنان ميؤوس منه في ظل سيطرة حزب يعتبر نفسه الدولة، والحكومة في يده رهينة، فمئة عطار فرنسي وخليجي لا يصلحون ما أفسده حزب الجوع وشركاه ولو ضمخوه بكل مستحضرات أفخم مصانع العطور.