في 29 كانون الثاني/ ديسمبر 1989 سقط ديكتاتور رومانيا نيكولاي تشاويشيسكو وأعدم بعد محاكمة صورية سريعة مع زوجته رميا بالرصاص وتخلصت رومانيا من ديكتاتور جثم فوقها زهاء عقدين من الزمن. وكان الديكتاتور الروماني الذي كان يلقب ب "نابغة الكارابات" من أعتى ديكتاتوري الدول الشيوعية قساوة، وفي عهده اشتهرت المخابرات الرومانية "السيكوريتات" بأنها نكلت بالمعارضة، وارتكبت جرائم بحق الآلاف من الرومانيين. وكان "نابغة الكرابات" يرتبط بديكتاتور سورية حافظ الوحش البهرزي الذي جثم بدوره فوق صدور السوريين لزهاء ثلاثة عقود بعلاقات مخابراتية وثيقة، فالكثير من كوادر المخابرات السورية تلقت تدريبها في أجهزة "السيكوريتات" وعادت إلى سوري لتنكل بالشعب السوري. الشعب الروماني الذي كان يتوق للانعتاق من ربقة الشيوعية والديكتاتورية، انتفض ضد الديكتاتورية التشاشوسكية، وتمكن من خلع " نابغة الكارابات" وإعدامه. بعد يوم من إعدامه وجدت المخابرات السورية عبارة "شامشيسكو" كتبت بالخط العريض تحت تمثال ديكتاتور سورية الذي سيهوي بعد حين على أيدي الثوار السوريين. وقامت بكل عمليات التفتيش والتحري لكنها لم تقبض على الفاعل.
اليوم وبعد 32 سنة يوما بيوم بعد سقوط "نابغة الكرابات" تقريبا قام شعب كازاخستان بانتفاضته ضد الديكتاتورية وأسقطوا تمثال نور سلطان نزارباييف الذي حكم كازاخستان زهاء 32 عاما دون منازع، وكانت الشرارة الأولى رفع أسعار الغاز في هذا البلد الذي يعتبر من أغنى بلدان الدول الشيوعية السابقة وأفقر شعب حاله كحال الشعب السوري. ومن الصدف التاريخية أن النظام السوري ارتبط بكازاخستان أيضا عن طريق الحليف الروسي لأنها استضافت محادثات آستانة "الخلبية" حول سورية للدول الضامنة تركيا وروسيا وإيران بمشاركة "كومبارس" وفدي المعارضة والنظام، وكانت آخر جلسة (الجلسة السابعة عشرة قبل أيام فقط من اندلاع الانتفاضة الشعبية الكازاخية، والتي كسابقاتها لم تسفر عن شيء يشي بتغيير في سورية)، وكاستغاثة ديكتاتور سوريا، سارع الرئيس الجديد في كازاخستان بطلب النجدة من حليفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي سارع بإرسال قوات روسية لإنقاذ نظام حليف فتك بالشعب الكازاخي من السقوط، كما فعل في سورية بارتكابه مجازر لا تغتفر لإنقاذ نظام فتك بالشعب السوري من السقوط أيضا، وخشية تغيير هذا النظام من مؤيد لروسيا إلى معاد لها على غرار ما حصل في أوكرانيا، واستغلال الغرب هذه الأزمة الجديدة لصالحها لزيادة الضغط على موسكو. هذه التطورات الجديدة في بلد يعتبر أقرب حلفاء موسكو ليس من شأنها طمأنة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي كان ينوي السيطرة على أوكرانيا ومنعها من دخول حلف الناتو فهو بات أمام معضلتين خطيرتين على أبواب روسيا، ولا طمأنة ديكتاتور سورية المتربع فوق دمار البلاد وتجويعها وترويعها، ومن المضحكات أن وزير خارجيته فيصل المقداد طلب من ديكتاتور كازاخستان بتغليب " لغة الحوار" هذه اللغة التي لا يتقنها النظام السوري، ولا يعرف سوى لغة الرصاص والكيماوي، وجاء رد ديكتاتور كازاخستان بأنه أمر الجيش باستخدام الرصاص الحي ضد من أسماهم " بالإرهابيين" فلغة الديكتاتوريين متشابهة: "الرصاص، والإرهاب، والمؤامرة الدولية". ورغم ذلك فالربيع العربي بدأ يتفشى في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة للتخلص من ديكتاتورييها والهيمنة الروسية، وهذا ما سيضعف موقف روسيا دوليا، بعد أن يختار حلفاؤها السابقون التحالف مع الغرب كما تنوي أوكرانيا فعله. وسينقص عدد الديكتاتوريين في العالم ديكتاتورا آخر، فتمثال نزارباييف الذي هوى تحت ضربات المناهضين للديكتاتورية وللهيمنة الروسية، كما هوى قبله تمثال حافظ الوحش البهرزي في سورية هو نذير شؤم لبشارباييف الذي قرأ يوما عبارة على جدار مدرسة كتبها أطفال درعا " اجاك الدور يا دكتور" .