أول أمس (الـ3 من كانون الثاني/ يناير) مرّت الذكرى الثانيةُ لتصفية الجنرال الإيراني – قاسم سليماني، الذي كان أحد أهم القادة في "حرس الثورة الإسلامية"، الذي هو عبارة عن قوات مسلحة موازية، أنشئت بقرار من آية الله العظمى – روح الله الخميني، بعد نجاح ما يسمى بـ"الثورة الإسلامية"، وأوكلت لها مهمةُ حماية الثورة الوليدة، وتمكين رجال الدين من تنفيذ مخططهم في إقامة نظام حكم جديد؛ يقوم على أساس "ولاية الفقيه".
كان من الممكن أن يبقى "شأناً داخلياً" تشكيلُ قوات مسلحة موازية للقوات المسلحة المعترف بها عالمياً. لكن زعماء إيران – وعلى رأسهم – الخميني، لم يُخفوا أبداً عزمهم على تصدير ثورتهم. ولتنفيذ هذا المخطط العالمي، تم استحداث "تشكيل" في "قوات الحرس" أطلقت عليه تسمية "فيلق القدس"، وأسندت له مهمة تصدير الثورة إلى دول الجوار، ولاحقاً – إلى كل دولة إسلامية، بُغية "إقامة الجمهورية الإسلامية الكبرى، التي يَحكمُها صاحبُ الزمان (الإمام المهدي الغائب، حسب معتقد الشيعة) ونائبه بالحق – الولي الفقيه".
منذ توليه قيادة "فيلق القدس" - في أواخر تسعينيات القرن الماضي – ذاع صيت قاسم سليماني، وأصبح "الفيلق" بمثابة "وزارة خارجية مسلحة"! إذ كان سليماني يتدخل تدخلاً مباشراً في السياسة الخارجية الإيرانية، وخاصة في علاقات بلاده مع الدول المستهدفة بـ"تصدير الثورة".
لفترة طويلة، نجح الملالي في إقناع المسلمين، وخاصة العرب، بأنهم يسعون إلى توحيد كلمة المسلمين وصفوفهم، بغية تحرير القدس من الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة كيان إسلامي يكون نداً لقوى الهيمنة والاستكبار. لكن تصرفات أتباع إيران وأزلامها في العراق، عقب سيطرتهم على السطة، بعد سقوط نظام صدام حسين (في ربيع عام 2003)، وتصرفات أتباعها وأزلامها في لبنان، منذ عام 2004، أثارت شكوكاً كبيرة في حقيقة الأهداف الإيرانية المعلنة. ثم جاءت أحداث "الربيع العربي" لتضع كل النقاط فوق كل الحروف.
لقد كشفت أحداث العقد الأخير أن وزير الخارجية الإيراني المسلح – قاسم سليماني، عمل بأناة وإتقان على استغلال حب المسلمين لآل بيت النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) لتشكيل قاعدة شعبية عريضة تتقبل المعتقدات الشيعية – الصفوية، التي يستخدمها النظام الإيراني لتحقيق هدفه الحقيقي؛ المتمثل في استعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية، والوصول إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط.
وكشفت أحداث الربيع العربي أن سليماني يمثل الوجه الأكثر قبحاً ودموية من وجوه التفرقة الطائفية. إذ غدا معلوماً لكل متتبع للأحداث أن سليماني هو مهندس عمليات تقتيل السنة في العراق ولبنان وسوريا واليمن وفلسطين، إضافة إلى تدمير هذه البلدان تدميراً شاملاً. ورغم كل ذلك، ثمة بين المسؤولين والمفكرين العرب، من يُمجّد سليماني ويعتبره بطلاً قومياً. وهناك من يُصرعلى نشر صور سليماني في العديد من الساحات العامة والشوارع الرئيسية. وهنا أود أن أستعير ما قاله أحد كبار المسؤولين والمفكرين العرب في تأبين سليماني؛ من أن هذه التصرفات تمثل "كارثة في الوعي والفكر والبصيرة والأخلاق والإنسانية".