توالي إسرائيل توجيهَ ضربات الإهانة والإذلال إلى ما يُسمى بـ"محور المقاومة". إذ لم يعد خافياً على أحد أن "العدو الصهيوني" يصول ويجول - دونما خوف - فوق لبنان، الذي يقع بالكامل تحت سيطرة أحد أهم عناصر ذلك "المحور"... وفي أجواء سوريا، التي تُعتبر واسطة عِقْد ذلك "المحور"... بل وحتى في أرض إيران نفسِها، التي تُعتبر رأس محور المقاومة المزعومة. ويكفي أن نذكر في هذا السياق أن وكالة الاستخبارات والمهمات الخاصة الإسرائيلية "موساد" تمكنت من الوصول إلى الأرشيف النووي الإيراني، ثم نقْـلِه - بقضه وقضيضه - إلى إسرائيل، في أوائل عام 2018. ونذكر أيضاً أن "موساد" تمكنت من اغتيال مؤسس البرنامج النووي الإيراني – محسن فخري زادِه، في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، وذلك في عقر داره (طهران). وهنا يحضرني ما قاله الإمام عليّ (رضي الله عنه) لأتباعه: "ما غُـزِيَ قـومٌ في عِـقْـر دارهم إلا ذلّـوا"...
من هذه المقدمة، أنتقل بالقراء إلى الضربة الإسرائيلية الموجعة، التي استهدفت ميناء اللاذقية يوم أمس (28/12/2021). ذلك أنه، في أعقاب كل ضربة تتم على الأرض السورية، تثور موجة من الجدل بين السوريين. فهناك من يفضل عدم الإفصاح عن موقف حاسم منها... وهناك من يفرح بها... وهناك من يستهجن بشدة هذه الضربات.
من المؤكد أن لدى كل من الفرقاء الثلاثة مبرراتٍ لاتخاذ موقفه. فمن خلال متابعة ما يُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي، نستطيع أن نستخلص أن الفريق الأول يشعر بالأسى والألم على تَعرُّض بلده؛ شعباً وسيادة وأرضاً، للانتهاك، لكنه في الوقت نفسه يدرك أن إسرائيل (العدو) تستهدف مصالح عدو لدود (إيران)، ولهذا يلتزم الصمت، ولسان حاله يقول: اللهم اضرب الظالمين بالظالمين!
أما الفريق الثاني، فيرى أن إيران، وعلى مدى عمر الثورة السورية، الذي يناهز إحدى عشرة سنة، أظهرت عداءً لغالبية الشعب السوري منقطع النظير. وحسب اعترافات حسن نصر الله، خلال الحديث المطول الذي أدلى به لقناة "الميادين"، فإن النظام الإيراني توجس خوفاً على العصابة الأسدية منذ فرار زين العابدين بن علي إلى السعودية، وانسحاب حسني مبارك إلى شرم الشيخ، فشكل "خلية أزمة" بقيادة الإرهابي - قاسم سليماني.. ومنذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا لا تزال (إيران) تقتل وتغتصب وتهجر السوريين، وتدمر حواضرهم وممتلكاتهم من حجر وشجر. وأي شحنة إضافية تجلبها إلى الأرض السورية، لا يمكن أن تُستخدم إلا لمواصلة عدوانها الغاشم الآثم على الشعب السوري. ولهذا فإنه من المنطقي أن يفرح أبناء هذا "الفريق" الوطني لتدميرها بكل السبل المتاحة.
أما الفريق الثالث، الذي يستهجن الضربات الإسرائيلية، فينقسم إلى قسمين – الأول: تُـرْجُح لديه المقاربة العاطفية، رغم معارضته للنظام ولإيران... أما القسم الثاني فيتألف بالكامل من الموالين الذين تعطلّت مراكزُ التفكير في أدمغتهم، فأصبحوا مجردين من كل منطق، ومن كل إرادة، ومن كل ضمير.