كل ذي لب يعي أن بفضل سياسات الأنظمة العربية العقيمة والمتخاصمة، بل والمتعادية، لم يعد لها أي وزن سياسي على المستوى الدولي، وجامعتهم باتت كخانات طريق الحرير بعد أن توقفت القوافل التجارية، وطار الحرير، بقي الخان متداعي الجدران. قضايا الشعوب العربية المصيرية، وعلى رأسها العراقي، والسوري، والفلسطيني، تحاك، وتطبخ، وتسوق دون مشاركتهم في مصيرهم فهناك من يقوم بهذا الدور. فتاريخ العرب اليوم يكتب في طهران، وأنقرة، وموسكو، وتل أبيب، وواشنطن.. أو بمفهوم آخر لقد أخرجت الأنظمة العربية العرب من التاريخ وباتوا على هامشه.
واليوم يخرجون من الجغرافيا شيئا فشيئا لصالح إيران وإسرائيل. ففي العام 1967 خسرت سوريا مرتفعات الجولان وهي أهم نقطة استراتيجية على الحدود مع دولة الاحتلال، وقد قامت بضمه في العام 1982 واعترف دونالد ترامب بسيادة إسرائيل عليه ضمن لا مبالاة عربية ودولية، وقام بنيامين نتنياهو ببناء مدينة باسم ترامب على أراضيه وكأن هذه الأراضي مشاع يمكن أن يتصرف بها كما يشاء. وكذلك تم ضم منطقة الحمة (أكبرمنابع المياه الكبريتية على ضفاف بحيرة طبريا) والتي حولت إلى منتجع سياحي، وستحول الجولان إلى مركز تكنولوجي تجريبي. فخلال سبعين سنة تقريبا قضمت دولة الاحتلال من أراضي فلسطين وسوريا ولبنان عدة أضعاف المساحة التي أقرتها الأمم المتحدة في قرار التقسيم 1947، وهي تستمر في قضم الأراضي الفلسطينية، وتتراكض الأنظمة العربية للتطبيع معها بعد أن كانت العدو الأول لهم، لأنهم اكتشفوا مؤخرا أن لهم عدوا أخطر منها. ففي الخاصرة الشرقية قامت إيران وتحديدا في إمارة المحمرة (وهي عاصمة لمملكة عربية تدعى ميسان واسسها شيخ قبيلة بوكاسب يوسف بن مرداو في العام 1812، وفي أوائل القرن العشرين حكمها الشيخ خزعل 1897ـ 1925 الذي تم اغتياله في العام 1936 من قبل المخابرات الايرانية) إيران البهلوي ضمت إليها الإمارة (وهي أغنى منطقة بالنفظ في إيران) وقامت بتغيير الاسم إلى خوزستان، واحتلت الجزر الإماراتية في سبعينيات القرن الماضي، واليوم تهيمن إيران ولاية الفقيه سياسيا وعسكريا على العراق، وسورية، ولبنان. باختصار شديد نحن في أسوأ حالاتنا من التردي والانحطاط بسبب أنظمة سياسية لم تنظر إلى الامن القومي إلا من منظار الخوف من شعوبها وكيف يمكنها أن تؤطرها وتسيطر عليها حتى بالحديد والنار، وخلال العقد الماضي كان همها الوحيد القضاء على الربيع العربي حتى بتدمير البلاد وقتل العباد. حتى بات ينظر إلى هذا الأمر كمسألة وجود، أو بلغة شكسبيرية: «نكون أو لا نكون هذا هو السؤال».