انطلقت يوم أمس (21/12/2021)، في عاصمة كازاخستان، الجولة الـ17 من مفاوضات التسوية السورية بصيغة "أستانا"، بمشاركة ممثلين عن الدول الضامنة لهذه الصيغة (روسيا، تركيا، إيران). على هامش اجتماعات هذه الجولة، أدلى المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا - ألكسندر لافرنتييف، بتصريحات مختلفة؛ اتهم في أحَدِها وفدَ المعارضة بطرح "شروط مسبقة" من شأنها أن تنعكس سلباً على محادثات "اللجنة الدستورية"، وتدفع وفدَ النظام إلى اتخاذ مواقف متشددة.
لم ألمس أي جديد في الحديث السياسي لرئيس الوفد الروسي، لكن التصريح الذي استوقفني طويلاً، هو التالي:
"إن الخراب يعم سوريا! وإن تكلفة إعادة بناء هذه الدولة تبلغ - حسب بعض التقديرات - 600 مليار دولار، ووفق تقديرات أخرى - 800 مليار دولار، وربما أكثر من ذلك بكثير!".
واستطرد لافرينتييف قائلاً: "خلال 11 عاماً من المواجهة المسلحة مع الإرهابيين، استنفدت الحكومة السورية معظم مواردها المالية. ولهذا فإنه سيكون من الصعب جدا تجاوز هذا الوضع، بدون مساعدة فعالة من المجتمع الدولي".
اتّهامُ لافرينتييف للمعارضين والثوار السوريين بالإرهاب - ليس جديداً، لهذا سأتجاهله وأمضي إلى الشق الاقتصادي؛
في الـ 15 من الشهر الجاري، أقرّ "مجلس الشعب" الموازنة العامة للدولة للعام 2022، باعتمادات تعادل 5,3 مليار دولار، وذلك حسب سعر الصرف الرسمي، المحدد بـ 2512 ليرة مقابل كل دولار أمريكي واحد.
- إذا اعتمدنا التقديرات المتفائلة؛ القائلة بأن إعادة الإعمار تحتاج فقط إلى 600 مليار دولار،
- وإذا انطلقنا من اعتبار سعر الصرف الرسمي (1 دولار = 2512 ليرة) هو السعر الحقيقي،
- وإذا افترضنا أن الدولة السورية أوقفت دفع الرواتب والأجور والتعويضات، وتوقفت تماماً عن الإنفاق على الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية، وعلى التعليم والصحة وغيرها، وخصصت كل مداخيل الموازنة لإعادة الإعمار،
- وإذا افترضنا أن الاقتصاد السوري سيحافظ على سويته الحالية، ولن يتراجع في القادم من الأيام،
فإن عملية حسابية بسيطة ستظهر أن عملية إعادة الإعمار، ستستغرق أكثر من 113 سنة.
من المؤكد أن أحداً لا يستطيع أن يصدق أن الجيش والشرطة والمخابرات، وجميع الموظفين والعاملين في مختلف وزارات ومؤسسات الدولة، يستطيعون البقاء بدون أكل وشرب ولباس وطبابة وتنقل وأمن، طيلة 113 عاماً. من هنا، فإن السيناريو، القائم على الاعتماد على الذات السورية - غير واقعي البتة، ولهذا لا مفّـرّ من الاستعانة بالخارج... وهنا يبرز سؤال:
- من هي الجهة الأجنبية التي ستُقرض أو تستثمر في بلد لا يملك أي قدر من مقومات الاستقرار؟
هذا السؤال سيقود حتماً إلى ضرورة العمل على تهيئة الظروف اللازمة لاستقدام استثمارات من الخارج، ومن المؤكد أن مثل هذه الظروف لا يمكن أن تتوفر إلا بتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي سيؤدي تطبيقه إلى اندثار الحقبة الأسدية... إذاً نحن أمام سؤال آخر:
- هل من المنطقي أن نتوقع من نظام دمّر البلاد لكي يبقى، أن يشارك في عملية تؤدي إلى زواله!؟