في الـ 8 من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، نشرت صحيفة "الوطن" السورية الموالية للنظام، خبراً جاء فيه:
منعا لسجنه في فرنسا، ترفع السيد الرئيس بشار الأسد عن كل ما فعله وقاله رفعت الأسد، وسمح له بالعودة إلى البلاد كأي مواطن سوري.
لم يشكل هذا التسامح مفاجأة للسوريين، الذين يعرفون أن كل فرد من أفراد عائلة الأسد – بريء حتى وإن ثبتت إدانته. ونذكر على سبيل المثال أن فواز - ابن جميل الأسد - قتل "هلا عاقل" لمجرد أنها أنها رفضت تلبية رغباته الجنسية... ولم يتعرض فواز لأي إزعاج! ونذكر أيضاً أن سليمان - ابن هلال الأسد - قتل العقيد حسان الشيخ، لمجرد أن الأخير لم يُفْسح له الطريق في الوقت المناسب. وها هو سليمان يعيش حياته طولاً وعرضاً.
وإذا كان هذا التكاتف القطيعي، مفهوماً في ظل انعدام القانون وتغوّل منطق المزرعة، فإن سماح السلطات الفرنسية لشخص صدر بحقه حكم قضائي، بالخروج من البلاد - أثار استغراباً شديداً!
لم يَدُم الاستغراب طويلاً، إذ نشرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية (في الـ16 من تشرين الأول/أكتوبر الماضي) تقريراً أكدت فيه أن فرنسا سمحت لرفعت الأسد بمغادرة أراضيها "تقديراً لما قدمه من خدمات للمخابرات الفرنسيّة". وأوضحت الصحيفة أن "رفعت الأسد أقام علاقة وثيقة مع المخابرات الفرنسية، منذ العام 1982. (يعني بعلم حافظ الأسد)
وفي الـ23 من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، نشرت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية تقريراً مطولاً حول ملابسات خروج رفعت الأسد من فرنسا، مبرزة أنه استقل رحلة جوية عادية من باريس إلى بيروت (في الدرجة الاقتصادية) وأنه قدّم جواز سفره السوري في المطار دون خوف، لأنه ليس على قائمة المطلوبين.
إذاً، سمح رئيس الجمهورية العربية السورية للمواطن - رفعت الأسد، بالعودة الآمنة للوطن رغم وجود أدلة أكثر من كافية على أن رفعت عميل لمخابرات دولة أجنبية معادية، ورغم وجود أدلة كافية على أن رفعت يقيم علاقات مع شخصيات رسمية إسرائيلية؛ الأمر الذي أكده فراس - ابن رفعت الأسد. ورغم أن رفعت مدانٌ بتنفيذ محاولة انقلابية مكتملة الأركان، وأنه ابتزّ رئيس البلاد آنذاك، وساومه على عدم المضي قدماً في تنفيذ الانقلاب، مقابل الحصول على كل موجدات البنك المركزي.
هذا على صعيد الحق العام، حق الدولة، حق الوطن والمواطن... أما على الصعيد الشخصي، فقد سمح بشار لـعمه الضال بالعودة إلى حضنه الدافئ، رغم أن الأخير كان أولَ وأشدّ من عارض خلافة بشار لوالده، ورغم أن رفعت أسس - في العام 2011 – تياراً معارضاً أسماه "المجلس الوطني السوري الديمقراطي" ومن خلال هذا الكيان المعارض، دعا بشاراً للتخلي عن السلطة.
فمن أين هبط هذا التسامح فجأة على النظام؟
ومن أين لبشار رحابة الصدر هذه؟
ولماذا لم ينعم السوريون بأي قدر من التسامح ورحابة الصدر، وهم الذين لم يطالبوا بأكثر من الحرية والكرامة؟