قصة الجولان السوري لن تنتهي فصولا. أرض الماء والتفاح والأقرب إلى السماء، والجرح العميق في وجدان كل سوري، تعود لتفتح الجرح القديم البليغ الذي عشناه في حرب المهزلة الحزيرانية. فمنذ أن قام حافظ الأسد، وزير الدفاع آنئذ، بإصدار بلاغ رقم 66 في عز المعركة المصيرية مع دولة الاحتلال، الذي يأمر فيه الجيش السوري بالانسحاب طوعيا من أرض المعركة دون سبب منطقي عسكري جلي يبرر قراره، فالمعركة لم تكن قد حتى بدأت بعد على جبهة الجولان، والمسألة رغم غموضها فتفسيرها حتى البغال تجيب عليه: تقديم الجولان لقمة سائغة هدية لدولة الاحتلال مقابل الدعم السياسي له للتسلط على السلطة في العام 1970 لتدخل سورية في تاريخ مجهول البدايات، كارثي النهايات، مترع الدماء، والدموع، والدمار، والأحزان. ولهذا هتف شباب الثورة:" باع الجولان ابن الحرام". وتتضح فصول المؤامرة شيئا فشيئا، فالبديل عن هذه الأرض هو إطلاق شعارات المقاومة والممانعة الخلبية للاستهلاك المحلي، كمضغ لبان في حنك غانية. لقد استهان حافظ بقيمة الجولان، كالنحاس الذي أعطي سبيكة ذهب فصنع منها طنجرة وباعها بأبخس الأثمان. فمنذ الفاجعة الكبرى نامت دولة الاحتلال على حرير الجولان، وشيدت فيه مستوطنات، وضمته بقرار من الكنيست في العام 1982 دون أن نسمع من المقاوم الممانع صاحب الشعارات اللبانية في حنك بنت هوى، إطلاق " فشكة " واحدة باتجاه المحتل. إذ أصبحت الجبهة كمقبرة يرين بها صمت القبور. ومرت على الحدث سنون وسنون ومازال الصمت يرين..
بالأمس قام الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالتوقيع على مرسوم سيادة دولة الاحتلال على الجولان. لم نسمع من وريث " النحاس بائع الجولان" وشعاراته الرنانة الطنانة في حنك غانية، أي ردة فعل حتى " لرفع العتب" ربما لأنه كان مشغولا بقتل السوريين، وتدمير سورية، وجلب زناة الليل الطائفيين والحاقدين ليوغلوا في القتل والإجرام ولينكلوا بهذا الشعب تنكيلا. ومن المضحكات المبكيات أن الممانع الصغير يطالب اليوم بتحرير لواء اسكندرون الذي باعه والده " النحاس" في تسعينيات القرن الماضي مقابل عدم إعلان تركيا الحرب عليه.
الجولان بعد "النحاس" البائع الأول " ابن الوطن"، جاءه نحاس ثان من وراء بحر الظلمات ليبيعه ويقبض مقابله ثمنا سياسيا لتجديد رئاسته بإرضاء دولة الاحتلال، ومن يؤيدها في بلاد العم سام، ولإرضاء صديقه الحميم "بيبي" وإعطائه دفعة قوية كي يفوز بدوره بالانتخابات التي كانت على الأبواب. (هذا ما صرح به) بعد أن خانه صديقه الحميم "بيبي" بتهنئة الرئيس الفائز جو بايدن بالانتخابات. فثارت ثائرته وشتم بيبي بأقذع الشتائم فقال: " هذا الوغد كان أول المهنئين لبايدن ولولا توقيعي على مرسوم سيادة إسرائيل على الجولان لما فاز بالانتخابات". وهكذا ومنذ بيعة الجولان الأولى، لم تنته المراهنات في المزادات السياسية الدولية على الجولان بين نحاس بائع وآخر مشتري. ولكن لسخرية التاريخ أن النحاس الذي راهن على فوزه بالانتخابات ببيعه أرض سورية الغالية وكأنها من إرث أبيه ترامب الأول، خسر هذه الانتخابات، ولم تنفعه بيعة الجولان، وخانه صديقه الحميم "بيبي" الذي بدوره خسر الانتخابات أيضا رغم مرسوم السيادة على الجولان فيما بعد. فالنحاس الذي لا يعرف التمييز بين لون الذهب والنحاس ينقصه معدن الذكاء في سوق النحاسين.