يدرك الجميع أن الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين - صراع وجود لا صراع حدود، وهذا يعني أن مصلحة إسرائيل الوجودية تقتضي استخدام كلّ ما شأنه الحيلولة دون انتصار الفلسطينيين في هذا الصراع.
أما الصراع بين السوريين والنظام فيهدف إلى إصلاح الخلل في تصرفات النظام، وتطوير أساليب الإدارة والحكم، بما يُمَكّن البلدَ من اللحاق بركاب بلدان القرن الحادي والعشرين.
وعلى الرغم من الفارق الهائل في طبيعة الصراع في المثالين المذكورين، نرى فارقاً هائلاً جداً في التعامل بين كل من الخصمين (العدويين).
ما دفعني اليوم للمقارنة بين معاملةِ إسرائيل للفلسطينيين - أعدائها الوجوديين، ومعاملةِ النظام لأبناء بلده وجلدته، الذين لا يختلفون معه إلّا على سبل تطوير البلاد وازدهارها - الغارة التي شنتها إسرائيل يوم أمس على ميناء اللاذقية، وما أثارته من أخبار وتعليقات مضحكة مبكية.
لا أعتقد أن ثمة حاجة للحديث مطولاً عن الأساليب الهمجية التي يستخدمها النظام ضد السوريين، ويكفي أن نَصِفَ رحلةً واحدة من آلاف رحلات الحوامات المحملة بالبراميل المتفجرة، إلى أجواء المدن والبلدات والقرى السورية. فعندما تقترب الحوامة من أجواء منطقة سكنية ما، يومئ قائدُها إلى العناصر في حُجرة الشحن المعبّأة بالبراميل، فيشعل أحدهم فتيلاً متدلياً من فتحة أحد البراميل، ثم يدفع البرميل إلى الفتحة الخلفية للطائرة، ليسقط (البرميل) ويقتلَ دون تمييز بين طفل وامرأة وشيخ، وبين معارض أو "إرهابي"، لا بل دون تمييز بين بشر أو بهائم، ويدمر - أيضاً - دون تمييز...
هذا المثال، يعكس الهمجية اللامتناهية التي يستخدمها النظام، ليس مع عدو يحتل بلده أو يستهدفها بسوء، بل مع من يفترض أنهم إخوته - أشقاؤه.
أما تعامل الإسرائيليين مع ألدّ أعدائهم الوجوديين - حركة "حماس"، فتوضحه الحادثة التالية:
عندما اشتد الحصار والقصف على حلب، جاء طبيب من غزة، لكي يعمل متطوعاً في عياداتها ومشافيها.
ذات يوم، تلقّى المستشفى إنذاراً باقتراب طائرات النظام أو حوماته، فهرع جميع مَن كان في المستشفى إلى الملاجئ، وطلب زملاء الطبيب الغزاوي منه أن يترك كل شيء ويهرع إلى الملجأ!
كانت تلك المرة الأولى بالنسبة له. ولذلك سألهم ببراءة:
- إنتو لسّا ما أعطيتوا إحداثيات المستشفى للنظام؟ يعني النظام ما بيعرف إنو هون مستشفى؟
فأجابوه:
- النظام يتقصد استهداف النقاط الطبية والعيادات والمستشفيات بالدرجة الأولى.
فقال لهم:
- والله نحن منوصّل لليهود إحداثيات المرافق الطبية، وما منتوقف عن العمل ولا لحظة، مهما اشتد القصف... ولم تنزل أية قذيفة قطّ على أي مرفق طبي.
هذه الحقيقة المرّة يعرفها النظام، ويعرفها موالوه على اختلاف درجات موالاتهم... ، والغارة الإسرائيلية الأخيرة على ميناء اللاذقية، تمصل خير إثبات لذلك. فمع أصوات الانفجارت الرهيبة التي اجتاحت شوارع المدينة، اجتاح الذعرُ أفئدة سكانها. عند ذلك هبّت الصفحات المؤيدة للنظام تطمئن المواطنين، فنشرت منشورات وتغريدات قصيرة، جاء فيها:
"لا تخافوا... إسرائيل لا تقصف مدنيين!!!"