في ذكرى استشهاد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وتزامنا مع موجة هرولة زعماء عرب للتطبيع مع إسرائيل عادت بي الذكرى إلى جورج صلاح الدين.
انها الصدف التي أهدتني إلى قصة فريدة تعود إلى حطين وتحرير القدس الشريف. ذات يوم في باريس كنت أبحث عن رقم هاتف لسباك يقوم بتركيب بعض التمديدات الصحية في المنزل، في دليل الهاتف الفرنسي، وجدت شركة سباكة. في الصفحة المقابلة وقعت على اسم جورج صلاح الدين. ثم في الصفحة ذاتها وجدت أسماء عديدة مثل كلود، واكزافييه، وسيرج، وبيير، وجان، وكريستوف.. وجميعهم يحملون الشهرة: صلاح الدين. وهذا أمر غير عادي في فرنسا، وفي عائلة مسيحية أن تجمع بين أسماء أنجيلية، أو فرنسية تقليدية، وبين شهرة صلاح الدين. جورج صلاح الدين الذي وافق أن أقابله في أحد المقاهي بعد أن اتصلت به فضولا لمعرفة حقيقة الاسم، كان طويل القامة بعينين زرقاوين كفيروزتين تلمعان، وشعر أشقر منسدل على عنقه، وبشرة بيضاء مع بعض النمش في الوجه. باختصار وجه لا ينم البتة عن أصول عربية، كان فضولي كبيرا، سألته: من أين جاء لقب صلاح الدين للعائلة. ضحك وقال: إن هذا السؤال وجه إلي مئات المرات من فرنسيين، وخاصة من عرب لأنهم يتساءلون هل نحن عائلة مسلمة، أو من أصول عربية وما علاقتنا بصلاح الدين. (وكلمتا صلاح الدين بالفرنسية تكتبان بكلمة واحدة تلفظ سلادان، Saladin). ونحن في الواقع أحفاد أحد الصليبيين الذي هزموا في القدس على يد صلاح الدين. وكم عانيت في المدرسة فهناك من كان ينعتني بالصليبي (le croisé)، وهناك من كان يناديني "بالبونيول" (وهي كلمة تقال للانتقاص من العرب وخاصة الجزائريين). قال عندما حرر صلاح الدين القدس وأسر ألاف الفرنجة المسيحيين طلب منهم أن من يريد أن يفك أسره أن يدفع جزية، أو أن يعمل سخرة إلى أن يوفي جزيته. قال: طلب جدي من صلاح الدين أن يعود إلى فرنسا ويجلب جزيته فوافق. ولما وصل جدي الأولي إلى فرنسا وقريته التي تقع في منطقة "لاريديش" وجد أن أملاكه قد تم بيعها من قبل عائلته بعد أن انقطعت أخباره عنهم. فعاد إلى فلسطين وطلب من صلاح الدين أن يعمل بالسخرة لدفع جزيته، لكن صلاح الدين الذي أعجب بوفائه حرره على شرط أن يعطي اسم صلاح الدين على طفله الأول، وأن يوصي بأن تكون لزاما على أحفاده أيضا حتى يكون اسم صلاح الدين يتردد في عائلات فرنجة، فوفى بعهده وأعطى اسم صلاح الدين على أبنه الأول، وباتت لازمة في كل عائلة من أحفاده حتى بات لقبا للعائلة. وقامت إحدى العائلات في العام 1400 بشراء حقول عنب ومعاصر خمر والتي مازالت قائمة إلى اليوم تحت اسم صلاح الدين (ٍsaladin)
وقد تحدثت إلى العائلة ( الصورة أعلاه) وصرت أتلقى دعوات متكررة في كل معرض لخمور العائلة في باريس وليون ومرسيليا. واكتشفت أن لهذه العائلة تفرعات في سويسرا وبلجيكا أيضا. وهم من المنتقدين للحملات الصليبية ويؤيدون الفلسطينيين ويفتخرون بحمل اسم صلاح الدين ولم يتخلوا عنه منذ ثمانية قرون.
في الوقت الذي نرى أن بعض العرب نسوا القدس، ونسوا التاريخ، وأهملوا الجغرافيا المحتلة، وقاموا برحلة الشتاء والصيف سرا وعلانية إلى تل أبيب التي تحتل القدس الشريف، وتنتهك يوميا المسجد الأقصى ثالث الحرمين الشريفين.