صباح فخري: سيبوني ياناس في حالي اروح مطرح ماروح

صباح فخري
صباح فخري


رحل صباح فخري، والمليحة بخمارها الأسود، وذات القد المياس، وذات الوجه الصبوح، وذات سود العيون تلوحن للراحل وتقلن من وراء الوتر ونغمة القدود، والموشحات، ابعت لي جواب وطمني أسوة بالعاشقين في ظلال الياسمين، وحيث البلبل يناغي غصن الفل، نحبك وعيشة لا حب فيها جدول لا ماء فيه.
أم كلثوم مصر، وفيروز لبنان، وصباح فخري سورية، لا يمكن، ومهما كان موقف الأخير من النظام المجرم، أن نغفل أنه حنجرة القدود والموشحات بامتياز لأكثر من سبعة عقود، وكما من الصعب، مهما حاول المقلدون، أن يقلدوا أم كلثوم، وفيروز، لن يكون بإمكانهم أن يقلدوا صباح فخري. ونحن مهما كان موقفنا سنبقى نسمع هذا الصوت الشدي لعشرات السنين، كما نسمع اليوم لأم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ. ونترحم عليهم مهما كان موقفهم من أنظمة عاشوا تحت ظلها. الآراء تناقضت واختلفت بماذا توصفه بعد رحيله. هل ندعو له بالرحمة، أم نهاجمه لقربه من النظام، أو لانتهازيته، أو لصمته على أقل تقدير إزاء ما أصاب الشعب السوري من مقتلة بعد أن قام بثورته؟ كثر الفنانون الذين ظلوا على موقفهم الثابت من تأييد النظام قبل وبعد الثورة بل وكانوا جهارا نهارا يتبنون مواقف النظام ويهاجمون بشراسة الشعب السوري المنتفض ضد الظلم والطغيان. ومن كان مع الثورة إما قتل تحت التعذيب كخالد تاجا، أو بالاغتيال كياسين بقوش، أو هرب خارج البلاد كعبد الحكيم قطيفان والمرحومة مي سكاف، ومكسيم خليل، وجهاد عبدو، وأخرون. فلا يوجد منطقة وسطى بالنسبة للنظام لأن نظرته لأي سوري مهما كان، ومهما علا شأنه، إما أن يكون مواليا، أو لا يكون. وصباح فخري الذي منذ أن تعهده فخري البارودي في خمسينيات القرن الماضي، كان دائما مع النظام القائم، فلم نلمس منه أي موقف سياسي معين سوى أنه لا يعادي الأنظمة. والأنظمة كانت برمتها تكرمه، وتفتح له قنواتها ليغني، ويغني، ويغني. فهو لم يكن يبحث إلا عن الغناء وكسب المال. نحن ربينا على صوت الكبار، والكبار رحلوا وحل محلهم الوحل الفني والثقافي. ولم يعد يروق لنا أقل من ذلك. اليوم رحل صباح فخري آخر الكبار وترك وراءه إرثا كبيرا لا يمكن تجاهله، ولا يمكن تخطيه، ورحيله سيترك فراغا كبيرا في لونه الغنائي، كما تركت أم كلثوم، وعبد الوهاب فهذه الظواهر لا تتكرر سوى مرة واحدة. كالفارابي، وإبراهيم الموصلي اللذين ما زلنا نذكرهم بعد مئات السنين.
الذين أحقهم فعليا ولا أتردد أبدا بنعتهم بالأوصاف التي تليق بهم هم هؤلاء الذين باعونا وطنيات، وأخلاقيات، وعنتريات في مسلسلات كانت ظاهرا أعمالا درامية " تنفيسية" وباطنها يدعم النظام لأن شركات الإنتاج لا يمكنها إنتاج أي عمل درامي إلا بموافقة مخابرات النظام ومراقبيها، ونقابة الفنانين هي معقل لأزلام النظام وسيف ديمقليطس المسلط على رقاب من هم يفردون خارج السرب. فأعمال درامية كباب الحارة، وأخواتها، أو مسرحيات ك "على كاسك يا وطن" وأخواتها كلها كانت كإبر تخديرية ليتوهم الشعب السوري بأنه ينام على ريش نعام، وأن هناك من يرفع صوته لكن هذا الصوت كان صوتا مزيفا. وأبطال هذه الأعمال هم أبطال مزيفون وأصحاب المواقف المضادة للثورة، والمؤيدة للنظام في مقتلة السوريين، بل ويقفون مدافعين عن جرائمه التي يعتبرونها ضد المؤامرة الكونية، والإرهابيين. والتاريخ لن يكلف نفسه بذكرهم، وسيندثرون وهم أحياء ويذهبون مع الريح كما سيذهب هذا النظام.
هؤلاء إن مات أحدهم لا أترحم عليه، فيا.. ويا.. ويا.. وكل الياءات الخائنة لشعبها نقول، خذوهم فغلوهم وإلى جهنم ودوهم، وبئس المصير.
صباح سلك درب حلب الذي كله شجر زيتون راحلا إلى دنيا غير هذه الدنيا وهو يقول: سيبوني يا ناس سيبوني في حالي أروح مطرح ما روح..