مصائب العرب في عسكرها
مهمة العسكر من حيث المبدأ هي حماية البلاد من أي خطر خارجي، والحفاظ على سلامة المواطنين، وتأمين السلم الأهلي، والمساعدة في الكوارث الطبيعية الخارجة عن السيطرة، ولا يخرجون من ثكناتهم إلا لهذه المهمات. هذا ما يتبع في الدول الديمقراطية التي تطبق فصل السلطات، وحرية الرأي والتعبير، ويحترم فيها الجيش إرادة الشعب الذي قام بانتخاب رؤسائه، وممثليه، وبنى مؤسساته، ومجتمعه المدني. في العالم العربي ومنذ نيل دوله الاستقلال لعبت جيوشها (وخاصة في دول الجمهوريات) دور الثوار إزاء "المؤامرات الداخلية" التي هي بحد ذاتها كانت تدبر من داخل الجيوش نفسها، من ضباط متمردين على ضباط آخرين، والأمثلة لا تعد ولا تحصى عن " الثورات العسكرية" التي قام العسكر بإزاحة عسكر آخرين في صراع مستمر على السلطة كما حدث في سورية مثلا، واليمن، والجزائر، وموريتانيا، والصومال، والعراق ومصر وليبيا بعد الانقلابات على الملكيات، وبالطبع في السودان التي تشهد اليوم أحداثا دامية. وهذه الجيوش بشكل عام لم تقم بحماية البلاد بالشكل الذي يفترض أن تقوم به فكل الحروب التي قامت ضد التهديدات الخارجية التي جاءت من إسرائيل أو إيران باءت بالفشل والدليل على ذلك أن إسرائيل خرجت دائما منتصرة ولا تزال تحتل أراض لبنانية وسورية وفلسطينية، ولا تزال تهدد وتضرب بشكل شبه يومي سورية، وفلسطين، ولبنان من وقت لآخر، أما إيران فهي اليوم تسيطر على عدة عواصم عربية كما صرح أكثر من مسؤول إيراني، وتصول وتجول في ربوع العراق وسورية ولبنان واليمن. وفي السودان أدى حكم العسكر أيضا إلى تقسيم السودان بين شمال وجنوب بعد حرب بينية دامت عقدا ونيف. هذا الفشل الذريع لدور العسكر لم يثنهم عن الاستمرار في الحكم وعندما اندلعت الثورات الشعبية الحقيقية ضدهم حولوا فوهات البنادق إلى صدور الشعب المنتفض ودمروا البلاد وقتلوا العباد، وخربوا الاقتصاد، وساد سواد ليل أليل لم يتسن لنا إلى اليوم أن نميز فيه الخيط الأبيض من الأسود. فما يحصل اليوم في السودان من قتل متظاهرين رافضين لحكم العسكر والانقلاب البرهاني ليس سوى حلقة من حلقات تجبر العسكر واستئثارهم بالسلطة. فالعسكر العرب يكرهون الربيع، لم يزرعوا يوما ياسمينة، أو وردة، يضعونها في فوهات بنادقهم كي لا توجه لصدور الشعب بل لتحميه وتحمي ثورته، لأن ثورات الشعب لنيل حريتها من دوس البساطيل على رؤوسها هي الحماية الحقيقية للبلاد وللدولة وسيادتها تحت قيادات مدنية تتداول السلطة ديمقراطيا، لكن الثورات العربية التي هزت اركان أنظمة استبدادية سرعان ما تكون ضدها حلف الثورات المضادة، لأن الديمقراطية كفيروس كوفيد يخشى انتشارها السريع في نسيج هذه الأنظمة التي تعمل جاهدة على " القمع المستدام " للشعوب، فهي عدوها الحقيقي وعدو عدونا والدليل على ذلك أن دولة الاحتلال الإسرائيلي الوحيدة في العالم التي أيدت انقلاب البرهان.