من المعروف أن البرد في روسيا - قارس جداً، ولهذا تتخذ مؤسسات الخِدمات الفنّية المختلفة كافة الاستعدادات اللازمة - خلال فصلي الصيف والخريف – لكي يمر فصلُ الشتاء القاسي على المواطنين بسلام... ورغم أن هذا أصبح تقليداً متبعاً منذ عقود، إلا أن المواطنين في بعض المدن أو الأقاليم لا يزالون يتعرضون لمتاعب وصعوبات في الشتاء، لأنّ مسؤولين عن هذا القطاع، يفشلون في اتخاذ الاستعدادات اللازمة، بسبب الإهمال أوالفساد أو عدم الأهلية، ويبررون ذلك بعدم كفاية الوقت. وعندها يسخر الناس منهم بالقول: إن فصل الشتاء في هذه السنة حل فجأة ودون سابق إنذار.
هذا المثل ينطبق على الوفد، الذي يفترض أنه يمثل قوى الثورة والمعارضة، في اللجنة الدستورية، والذي "فوجئ" يوم الجمعة (22 تشرين الأول/أكتوبر 2021) بمماطلة وفدِ النظام ومراوغته وتلاعبه بالمحاور والمصطلحات، الأمر الذي أدى إلى فشل هذه الجولة من المباحثات، الهادفة إلى إجراء "إصلاح دستوري". من الواضح أن رئيس هذا "الوفد" – هادي البحرة، نسي كيف كان وفد النظام يتصرف خلال الجلسات الخمس السابقة!
ومن اللافت أن السيد هادي البحرة كان يُسمّي وفد النظام بـ"وفد الحكومة السورية"، أما رئيس وفد النظام فكان يطلق على الوفد الذي يترأسُه تسمية "الوفد الوطني"، فيما يطلق على وفد "هيئة التفاوض السورية" تسمية "الوفد الآخر". وهذا يعني – دون مواربة - أن الوفد الذي يمثل قوى الثورة والمعارضة – ليس وطنياً. وللتأكيد على عدم وطنية وفد هيئة التفاوض، قال رئيس وفد النظام: "طرح الوفد الآخر أفكاراً خبيثة، وأجندات معادية. ووصل الأمر به إلى تشريع كيان الاحتلال الصهيوني، وتبرير ودعم الإجراءات القسرية أحادية الجانب". فهل من المنطقي أن نتوقع من "وفدٍ وطنيٍّ" أن يقدم أي تنازل لـ"وفدٍ عميل"؟
يقول المثل السوري: اللي بيجرب المجرَّب بيكون عقله مخرَّب
لقد علق هادي البحرة، وعلق الكثير من السوريين معه، آمالاً على تصريحات تصدر بين فينة وأخرى عن وزير الخارجية الروسي، أو مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، أو المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، تؤكد أن الجولة التالية ستكون مختلفة عن سابقاتها. لكننا "نُفاجَأ" المرة تلو الأخرى بأن النظام يتمسك بثبات بسياسته التي اتّبعها في جنيف وفي أسْتَنا وفي سوتشي، وقبل ذلك؛ في أروقة الجامعة العربية، وقبل قبل ذلك، وعلى مدى عقود - في سوريا،،،
لقد أصبح الجميع على قناعة تامة بأن النظام لا يمكن أن يقبل من السوريين سوى الرضوخ والاستسلام والعبودية، كما لا يمكن أن يقدّم لهم أي قدر من الحقوق، حتى إذا كلّفه ذلك التضحية بسيادة البلاد واستقلالها، وبيعها بالجملة والتجزئة للداعمين، وهذا ما حدث في الواقع...
في ضوء هذه المعطيات، لم يعد مقبولاً التعويل على المجتمع الدولي، أو على القوى المدافعة عن حقوق الإنسان، وأصبح لزاماً إعادة النظر في النهج الذي اتّبعه أولئك الذين فرضوا أنفسهم ممثلين للشعب الثائر ومتحدثين باسمه.