الحرية والكرامة والأرض الموعودة

عمل اليهود قسريًا خلال فترة وجودهم في مصر (إدوارد بوينتر)
عمل اليهود قسريًا خلال فترة وجودهم في مصر (إدوارد بوينتر)

جاء في قصص الأنبياء أن قحطاً حلّ في ما يعرف حالياً بـ "الشرق الأوسط"، قبل حوالي 3500 سنة، وأن الفراعنة احتاطوا لذلك بتخزين كميات وفيرة من القمح بناء على نصيحة نبي الله – يوسف. وعندما ذهب أبناء "إسرائيل" (نبي الله – يعقوب) إلى مصر لشراء القمح، بقوا هناك. 

تخبرنا القصص بأن آل فرعون كانوا يسومون بني إسرائيل سوء العذاب ويذبحون أبناءهم ويستبيحون نساءهم. وكان بنو إسرائيل راضين بالذل والهوان، مقابل الحصول على مستلزمات الحياة البهيمية؛ من أكل وشراب وتكاثر.

ولدت أجيال من بني إسرائيل وترعرت في ظروف العبودية، وما تقتضيه من تملّق وتذلّل وخُبث وتزلّف، ولهذا فقدت غالبيتُهم عزةَ النفس والصدق والرحمة، وما إلى ذلك من مقومات الحياة الإنسانية الكريمة.

ثم جاء موسى (عليه السلام) ليخرجهم مما هم فيه، ممنّياً إياهم بالحرية والكرامة، وبأرض تذخر بخيرات وفيرة.

فوافقوا...

كان عليهم أن يتحملوا مشقة عبور صحراء سيناء لكي يصلوا إلى الأرض الموعودة لكنهم، ما إن شعروا أن سياط فرعون لن تطالهم، حتى بدأوا يتطاولون على محررهم، ويشترطون عليه شروطا تعجيزية.

وجد الربّ أن كل البالغين من بني إسرائيل، لم يكونوا أهلا لتلك المكرمة، فقرر حرمانهم من الاستمتاع بالحرية والكرامة. فجعلهم يتيهون في صحراء سيناء طيلة أربعين عاماً، قضى خلالها كل من كان ذا كلمة مسموعة في أوساط تلك القبيلة. وبعد ذلك ـ فقط ـ هدى الأجيال الجديدة، ومن تحرر كلياً من لوثات العبودية، هداهم إلى "أرض الميعاد"...

هذه القصة تنطبق تماما على واقع السوريين. فقد عاشت أجيالٌ وأجيال من السوريين في ظروف القمع والإذلال والاستغلال. وفي مثل هذه الظروف ترى الناس يتسابقون على استرضاء مالكيهم أو رؤسائهم بأي ثمن، فيفقدون العزة والكرامة والشرف أيضاً.

مثّلت الثورة العظيمة فرصة نادرة لتخليص المستعبَدين من عبوديتهم، وللارتقاء بهم إلى مصاف الإنسانية. ولقد نجحت ـ في البداية ـ فعلاً في تحرير الكثيرين من الخوف من مستعبِديهم. لكن هذا الانعتاق مثّل ـ بالنسبة للوصوليين المتسلقين ـ فرصة ذهبية لإشباع الغرائز. ومثّل بالنسبة للكثيرن حالة من الضياع، فسارعوا يبحثون عن مستعبِدين جدد. وهذا ما يفسر ظهور مئات الفصائل المسلحة ومئات التيارات والأحزاب والتنظيمات.

إن إسقاط مدلولات الحكمة التوراتية هذه على واقعنا، يعني أن الحرية سوف تظل بعيدة المنال، مادامت العبودية متجذرة في نفوس الغالبية.

لكن اختلاف الظروف الموضوعية بين الحالتين، يجعل الأمل كبيراً في سرعة تحرير أنفسنا من مخلفات عقود الاستعباد، وبالتالي؛ في بلوغ الحرية والكرامة والديموقراطية، التي طالما حلمنا بها، في وقت قياسي.