اللصوص والكلاب


يحكى في سابق الأزمان أن سلطانا جائرا كان يخدمه وزير عمول، صبور، صادق، أمين، وبقي في خدمته عشرين سنة مما نعد، لكن كان يثير الغيرة ممن حوله من حاشية القصر، فأوغروا صدر السلطان ضده بأكاذيب ملفقة ترقى للخيانة. فأمر السلطان أن يقبض عليه ويرمى في ساحة المدينة لتأكله كلاب القصر الجائعة. لكن الوزير طلب من السلطان أمنية أخيرة قبل الموت بأن يعطى فرصة عشرة أيام كي يودع الأهل. وافق السلطان على طلبه، فجاء الوزير لمربي كلاب القصر وكان على علاقة جيدة معه، وطلب منه أن يساعده في العناية بالكلاب، فأطعمها واهتم بها خلال الأيام العشرة. وفي يوم الإعدام الموعود وضع الوزير وسط الساحة، واجتمع الناس بحضرة السلطان لحضور عملية الإعدام، وعندما أمر السلطان بفتح باب قفص الكلاب التي بدأت تجري باتجاه الوزير وراحت تتمسح به وتقفز عليه وتتودد إليه دون أن تمسه بأذى. تعجب السلطان وسأل عن السر، فأجابه الوزير بأن يعفي عنه ويعطيه الأمان مقابل أن يعطيه السر فوافق على ذلك. قال الوزير: يا جلالة السلطان هذه الكلاب لم أخدمها سوى عشرة أيام ولم تنكر الجميل.
لقد خدم الشعب السوري بصبر وجلد وتحمل لا تطاق نظام عائلة الأسد لزهاء نصف قرن ونيف، لأن هذه العائلة الجائرة المتسلطة على السلطة وعلى الشعب، جيرت جهوده ومردوده لصالحها، وتكديس ثرواتها في مصارف الغرب، ورغم كل خدمات هذا الشعب فقد سلط عليه أجهزة مخابراته لتقتل من تريد بذنب أو دون ذنب، دون حساب أو عقاب. وقام بعملية تجويع ممنهج كي لا يفكر السوري بشيء سوى لقمة العيش حتى بات من أفقر شعوب العالم، ولم يكن من يتجرأ على التفوه بكلمة ضد النظام.
وعندما طفح الكيل، ونفد الصبر، و"للصبر حدود"، وثار الشعب السوري ثورته، ونادى بالحرية والتخلص من نير نظام يستعمره لجيلين كاملين، كشف النظام عن وحشيته التي لا توجد كلمات توصفها في قاموس الإنسانية وتاريخها، فسلط عليه شبيحته، وعسكره، وميليشيات طائفية مرتزقة، وشذاذ الأرض، وقوة عظمى تمطره بطائراتها وآخر ما اخترعته من أسلحة القتل والفتك، حتى قتل من قتل، وهجر من هجر، ومات من مات تحت التعذيب.
يبدو أن المتسلطين على السلطة ولصوص الشعوب ينسون من خدمهم وأغناهم ورفعهم فيكافئونه بالقتل والتهجير، أما الكلاب فلا.