في الـ17 والـ18 والـ19 من شهر أيلول/سبتمبر الجاري، جرت في روسيا انتخابات دورية، لتجديد ملاك المجلس التشريعي - مجلس الدوما.
لم يكن صعباً على المراقبين أن يتنبأوا بالنتائج، لأن مقدمات هذه الانتخابات لم تختلف عن مقدمات الانتخابات التي جرت في عهد الرئيس فلاديمير بوتين. فهناك الحزب الحاكم - "روسيا الموحدة"، الذي يتمتع بدعم سياسي كبير، وموارد إدارية هائلة، ناهيك قدرات مالية لا محدودة. وهناك المعارضة المدجنة؛ المتمثلة في "الحزب الليبرالي – الديموقراطي" الذي ليس فيه من "الليبرالية" و"الديموقرلطية" إلا اسمهما. و"حزب روسيا العادلة" المعروف لدى كل مهتم بالسياسة، بأنه "مشروع كريملينيّ" بحت. وهناك "الحزب الشيوعي" الذي يشاطر بوتين نظرته إلى غالبية الأمور، ويختلف معه في بعض جوانب مقاربتها. ومن الأحزاب الأربعة المذكورة تشكلت كل الدورات التشريعية في عهد بوتين.
بعد انتهاء ولايته الرئاسية الثانية، في عام 2008، رفض بوتين إدخال تعديل على المادة الدستورية، التي تنص على عدم جواز تولي أكثر من ولايتين رئاسيتين "متتاليتين". ولهذا وضع كل ثقله السياسي، الذي كان كبيراً جداً في تلك المرحلة، وراء دميتري ميدفيديف، المعروف بضعف شخصيته، وبولائه المطلق لبوتين.
خلال رئاسة ميدفيديف، شغل بوتين المنصب الثاني في الدولة، حسب التصنيف الدستوري، أي رئاسة الحكومة.
استغل بوتين فترة رئاسة ميدفيدف لتمرير تعديل على مدة الولاية الرئاسية من 4 سنوات إلى 6 سنوات. كما استغل الثغرة في صياغة المادة الدستورية الخاصة بعدد الولايات الرئاسية المتتالية، فترشح في انتخابات عام 2012، وفاز...
أدركت المعارضة "الحقيقية" أن بوتين يخطط للبقاء في السلطة إلى أجل غير مسمى، فخرجت بمظاهرات حاشدة صاخبة، فجوبهت بقبضة حديدية.
جرت عدة محاولات لتوحيد القوى المعارضة حول هدف مشترك، بقيادة شخصية توافقية، لكن تلك المحاولات باءت بالفشل. وفي أواخر عام 2014، ظهرت بوادر اتفاق بين عدد من التيارات الديموقراطية على العمل معاً تحت قيادة بوريس نيمتسوف، لإحدث التغيير المنشود. لكن نيمتسوف اغتيل في شباط/فبراير 2015.
في هذه الأثناء، بدأ يصعد نجم ألكسي نافالني، الذي أسس مع عدد من المعارضين القوميين تياراً أسموه "صندوق مكافحة الفساد"... استخلص نافالني وزملاؤه العبر من تجارب من سبقهم، ووضعوا "خارطة طريق" تتألف من عدة مراحل، تبتدأ بإضعاف سيطرة حزب "روسيا الموحدة" على المجلس التشريعي، وعلى السلطات التنفيذية في مختلف ولايات البلاد، وتنتهي بفرط عقد ما يسمونها بـ"منظومة الفساد والاختلاس البوتينية". وبمثابة أداة تنفيذية للمحطة الأولى، ابتكرت مجموعة نافالني طريقة "التصويت الذكي" التي تقوم على دراسة كل مرشح في الانتخابات التشريعية أو التنفيذية، المحلية منها والفيدرالية، ثم دعوة الأنصار إلى التصويت لأي مرشح يمكن أن يهزم مرشح حزب "روسيا الموحدة"...
أثبتت هذه الطريقة فعالية عالية جداً، ولهذا قرر النظام التصدي لها بكل الوسائل المتاحة...
بالمحصلة، من المستبعد أن يطرأ تعديل ذاتي على السياسة التي تنتهجها روسيا في سوريا، في غضون السنوات الخمس التالية.