يوم بدون سيارات: "رزق الله على أيام النبك

يوم بدون سيارات في بروكسل
يوم بدون سيارات في بروكسل

في الثاني والعشرين من أيلول/سبتمبر من كل عام (ومنذ العام 2000) تحاول الدول الأوربية ومعها بعض دول العالم الثالث بمنع استخدام السيارات الخاصة لتنقية أجواء المدن من غازات ثاني أكسيد الكربون. وترى الشوارع في هذا اليوم خالية وتعطيك انطباعا وكأن المدينة في سكينة ما بعدها سكينة. يعيدني هذا اليوم من باريس إلى النبك قريتي ومسقط رأسي، جدي لأبي، مصطفى، كان يضحك كثيرا عندما يتم الحديث عن السيارات ويروي قصة أهل النبك عندما دخلت أول سيارة إلى "الضيعة" يقول: عندما دخلت أول سيارة، وكانت سيارة القائم المقام الباشا العثماني أصابهم العجب: كيف لعربة أن تمشي بدون بغال فلابد وأن هناك طائفة من الجن تحركها دون أن نراهم، فكانوا يفرون من أمامها كلما تحركت. وهذا الحدث شبيه بحدث تحطيم ساعة هارون الرشيد التي أهداها لشارلمان الذي عندما رآها تتحرك فأمر القساوسة بقراءة الإنجيل وتحطيمها كي يهرب الجن منها، (وكان شارلمان أمّياً، ويوقع المراسيم برسم صليب على الورق).
فيما بعد وعندما كنت صبيا كنا نستقل الحافلة الوحيدة التي كانت تقلنا إلى دمشق، كانت هذه الحافلة تنقل البشر، والدواب، وصناديق العنب، وأكياس البطاطا، ودجاجات مربوطة الأكرعة تقوق تحت المقاعد، وديكة تصيح مع كل هزة. لم يكن لهذه الحافلة مواعيد محددة، فهي تنطلق عندما تمتليء بالركاب وبالحيوانات والبضاعة. وتئن في الصعود، وخاصة عندما تكون في طريق العودة إلى النبك لأن الطريق الصاعدة إلى ارتفاع 1500م فوق سطح البحر وعرة المسالك والمنعطفات حادة الصعود، وترسل دخانا كثيفا، ولا تصل إلى محطتها الأخيرة إلا بعد طول عناء، وتستغرق ساعات ثلاث أو أربع، والمسافة لا تتعدى سبعين كليومترا.
العالم العربي بشكل عام وسورية بشكل خاص أشبه بحافلة النبك في القرن الواحد والعشرين. معظم دول العالم الثالث تطورت واستطاعت حتى اختراع سياراتها ( كوريا، الصين، الهند، تركيا، إيران..)، إلا الدول العربية التي مازالت عاجزة عن صناعة "إبرة"، رغم أن إمكانياتها تفوق إمكانيات هذه الدول.. وأموالها مودوعة في المصارف الأجنبية، والفساد نخر عظامها، وهم حكامها انحصر في ملاحقة معارضيها والقضاء عليهم بشتى الطرق، وحتى باستخدام الأسلحة الكيميائية، وجلب المستعمرين الجدد لنجدتها، ورهن سيادتها، والخضوع لإملاءاتهم.
تحولت النبك اليوم من ضيعة وديعة "ضايعة" إلى محطة للحافلات، وكباقي المدن السورية لم يتطور فيها شيء سوى الأطعمة التي تقدمها للمسافرين ذهابا وإيابا إلى حمص، وحماة، واللاذقية، والأبنية العشوائية، هواؤها تلوث بغاز ثاني أكسيد الكربون، وبكل أكاذيب النظام، وخطاباته الطائفية، العنصرية، التي سممت الهواء بما هو أخطر بكثير من كل الغازات الخانقة والسامة.