عندما نقتسم طعام القطط والكلاب من القمامات

تقاسم القمامة مع الكلاب الشاردة والقطط
تقاسم القمامة مع الكلاب الشاردة والقطط

سعيدة القطط والكلاب في بلادنا، فالكلاب تأكل من مخلفات القلة ممن يأكلون اللحم،والفراريج، ومعظم هؤلاء هم من استفادوا خلال عقود طويلة من الفساد المستشري في البلاد، ومن السرقات، وامتصاص دماء الفقراء، لأن الأغنياء الشرفاء الذين جمعوا ثروة بعد طول عناء وعمر هربوا من البلد، ولم يبق فيها إلا ما ندر.

أصبت بعصة في القلب عندما رأيت بعض الصور في سورية ولبنان لمواطن يقف مع الكلاب والقطط لالتقاط فتات ليقتات. "ينتش" عظمة من بوز كلب، أو ينهر قطة ليحصل على عظمة فخذ دجاجة، ويضعها في كيس بلاستيكي، تكلمت مع صديق لبناني يعيش على حافة الفقر(على قد الحال) كان يملك مصبغة ثياب لأطمئن على حاله ورويت له ما شاهدت: قال: " يا زلمة والله شوي تانية وبنصير كمان نقاسم القطط والكلاب رزقهم"

ـ ومصبغتك شو صار فيها؟

ـ يا زلمة الناس ما معها تاكل بتفكر تغسل ثيابها. بعت المصبغة وعم أصرف ثمنها حتى عيش أنا والأولاد.

كانت صورته على شاشة الهاتف تنم عن هم كبير. نظر وقال:

" بتعرف هدول اللي عم يلموا العضام شوبيعملوا فيها"

ـ لا أبدا، وأصلا استغربت من هذا المنظر.

ـ يا صديقي هدول بيروحوا يغسلوا العضام وبعدين بيغلوها مع شوية معكرونة لتعطي نكهة الشوربة ويطعموها لولادهم.

ـ إلى هذا المدى وصل بالناس الفقر؟

ـ أيه هدا اللي وصولنا له حسن ونبيه وميشيل وعلي والأربعين ألف حرامي. وما تفكر أنه وضع السوريين أحسن يا حرام ميتين من الجوع والقهر.

ـ طبعا أعرف وهذا ما أوصلنا إليه نظام البعث والطائفية والفساد والإجرام، أقل ما يمكن في لبنان ما في قتل وتعذيب وحرق جثث، وضرب بالكيماوي، والغراد، والراجمات، ولا طرد الناس من بيوتها والاستيلاء عليها وتعفيشها، وتهجير أهل البلد..

ـ والله يا زلمة هذا اللي خايفين منه الناس ومنشان هيك ساكتين لأنه مع اول شرارة رح يصير فينا مثل ما صار بالكرانتينا.

حديثه أصابني اليأس، والغليان في الدم.

خرجت من منزلي على غير هدى أمشي، أفكر وعلى كتفي همي، وأنا أمشي. أفكر بالأمر وألعن كل هذه الأنظمة العفنة التي اغتالت شعوبها إن لم يكن بالكيماوي والرصاص فبلقمة العيش. أوقفني شخص يقاربني سنا في العمر المتقدم ملامحه ليست غريبة عني، ضحك في وجهي وقال: يا صاح نسيت صديقك القديم، قلت والله نسيت والآن تفكرت كنا على مقاعد الدراسة في السوربون وحصلت على شهادة دكتوراة وعدت إلى سورية لتدرس في الجامعة الأدب الفرنسي، هل انت في إجازة، قال لا، ولكن تعال معي، وأخذني إلى مطعم قريب وقال أعمل هنا كنادل منذ سنوات، لأن في سورية المصروف أمريكي، والدخل صومالي، لقد صرفت على نفسي ما يعادل مئة ألف فرنك في ذاك الوقت لأحصل على الدكتوراة، فضربت أخماسا بأسداس لأحسب كم سنة احتاج لأعمل كأستاذ لأستعيد هذا المبلغ فتحركت عظام أنشتاين في قبره، فلا نسبة ولا تناسب، لأني كنت سأحتاج إلى حيوات اثنتين أو ثلاث أو رباع، لأسترد المبلغ، كما تفعل إسرائيل في احكامها بمؤبدين وثلاثة ورباع على الفلسطينيين، ثم ضربت أخماسا بأسداس مرة أخرى لأرى في حياة واحدة كم أكسب إذا لم آكل، ولم أشرب، ولم ألبس، فتحركت عظام فيثاغورث هذه المرة في قبره، لأن المبلغ مع سعر صرف الليرة بالنسبة للدولار جعل من مدخراتي تقارب ما تتقاضاه موظفة مغمورة في آخر المعمورة في شهر واحد. ثم قال: دعنا بالله عليك من عظام فيثاغورت وانشتاين وقدم لي طبقا شهيا وقال: هذا على حساب المحل. نظرت إلى الطبق الشهي، وتذكرت عظام الكلاب والقطط فصدت نفسي وشكرت صديقي الدكتور النادل وحساباته الفلكية السريالية، ومضيت أمشي أفكر، وعلى كتفي همي، وأنا أمشي..