بعد أشهر من صعوده إلى قمة هرم السلطة في الاتحاد السوفييتي، توصل ميخائيل غورباتشوف، مع عدد محدود من قادة الحزب الشيوعي، إلى قناعة تامّة بأن البلد آيل إلى الانهيار ما لم يُباشَر بإجراء إصلاحات جذرية على نظام الحكم والإدارة وعلى العلاقات الاقتصادية، تواكب تطور وعي المجتمع السوفييتي.
انطلاقاً من تلك القناعة، بادر غورباتشوف ورفاقه إلى وضع خارطة طريق تضمن الوصول إلى الأهداف المرجوة في أقصر وقت ممكن.
من أهم البنود التي تضمنتها خارطة الطريق - توقيع اتفاقية اتحادية جديدة، بين الجمهوريات الراغبة في البقاء ضمن الاتحاد السوفييتي الجديد، في الـ20 من آب/أغسطس 1991.
علم معارضو عملية الإصلاح أن الاتفاقية الاتحادية الجديدة تقتضي إقالة رئيس الحكومة – فالنتين بافلوف، ورئيس لجنة أمن الدولة (كي. جي. بي) – فلاديمير كريوتشكوف، ووزير الدفاع – دميتري يازوف، ووزير الداخلية – بوريس بوغا، وعدد آخر من أعضاء اللجنة المركزية، ومن المكتب السياسي للحزب الشيوعي، لهذا شكل هؤلاء - بشكل سري للغاية - خلية أسموها "اللجنة الحكومية لحالة الطورائ" قامت منذ الـ18 من آب/أغسطس بقطع كافة الاتصالات عن غورباتشوف، الذي كان يقضي إجازته الصيفية في منتجمع "فاروس" في شبه جزيرة القرم، وأمر المارشال يازوف 3 فرق مدرعة بالدخول إلى العاصمة السوفياتية لإخافة المواطنين، ومنعهم من معارضة الإنقلابيين.
خرجت المظاهرات في موسكو، واقتحم المواطنون الدبابات، وألقى بعضهم بنفسه أمامها لمنعها من التقدم، فسقط 3 قتلى... وعندما أدرك الإنقلابيون أن الشعب لا يؤيدهم – تراجعوا، وفشلت المحاولة الإنقلابية، بعد أن تركت ندبة عميقة جداً في الجسد السوفييتي، المتهالك أصلاً، أدت إلى هلاكه بعد بضعة أشهر.
يؤكد الباحثون أن الخطة التي وضعها غورباتشوف ورفاقه، كانت قادرة على تحويل الاتحاد السوفييتي إلى دولة عصرية قوية. لكن الفكر المتكلس، والهوس بالسلطة وتجاهل حركة التاريخ أدت إلى انهيار تلك الدولة العظمى.
هذا درس مر عليه 30 عاماً بالتمام والكمال، ولا يزال التاريخ يقدم المزيد من الدروس التي ينبغي على العقلاء استخلاص العبر منها. فنحن في هذه الأيام نتابع ما يجري في أفغانستان، إذ أن المجتمع الأفغاني، والولايات المتحدة، والناتو، وباكستان، اقتنعوا بعدم إمكانية استمرار الحالة الراهنة، حيث يتولى الجنود الأمريكييون وجنود الناتو ضبط الأمور في البلاد، فيما تتحمل باكستان عبء المهجرين الرافضين للاحتلال، وما يجلبونه من ضرر على أمنها القومي. وبناء على هذه المعطيات، ظهرت الظروفُ اللازمة للتوصل إلى حل دبلوماسي سلميّ... لكن العصابة الفاسدة، التي يتزعمها أشرف غني، قررت المراوغة، ورفض الانخراط بجد في الدبلوماسية للتوصل إلى تسوية... فحلت الفوضى وأزهقت الأرواح.
وبإسقاط ما ذكر أعلاه على الحالة السورية، نجد أن النظام الأسدي لا يزال يتشبث بالسلطة ويتجاهل حركة التاريخ، غير آبه بما يدفعه البلد من ثمن...
فهل سيكف السوريون عن التعويل على "حكمة النظام"، أو على "الخارج" لإنقاذ ما تبقى من بلدهم شعباً وأرضاً؟