لم يعد السوريون يستهجنون جرائم النظام المجنون بحقهم، فالجنون تخطى بمسافات حدود اللامعقول. إذ لم يسبق للتاريخ أن سجل أن حاكما وصل فيه الحقد على شعبه ما وصل إليه نظام الأسد. فبارانويا النظام الأسدي أوصلت مواليه إلى حد الهستيريا الجماعية. فبعد ضربات الكيماوي في زملكا، ودوما، وخان شيخون، وسواها، وقتل الأطفال خنقا بغاز الخردل والسارين، وقصف إدلب ودرعا وسواهما من المدن بالبراميل المتفجرة، ثم بآخر مستحضرات الأسلحة الفتاكة من حليفه الروسي، يطلعنا الزميل موقع زمان الوصل على شريط مصور لمجموعة من شبيحة النظام يحملون في شاحنة جثامين لسوريين قتلوا تحت التعذيب يقوم الشبيحة بوطئهم بالبساطيل، ويتفوهون بخطاب العنصرية: " هذا حمصي، وهذا حموي. وهذا شامي." وكأن الحمصي والحموي والشامي هم من بلد آخر، أو من كوكب خارج المجرة.. ثم يرمون الجثامين في حفرة كبيرة كما ترمى الحيوانات النافقة، يصبون عليهم البنزين ثم يضرمون فيهم النار. لمحو آثار الجرائم بحق هؤلاء، وكل المعتقلين الذي عانوا ما عاني هؤلاء. وكصور " قيصر" فهذا الشريط المصور الذي لا يرقى إليه الشك، يعتبر وثيقة دامغة كجريمة حرب، وجريمة ضد الإنسانية. وهذه الجريمة ليست سوى واحدة من آلاف الجرائم المشابهة.
بالأمس وافقت السلطات السودانية على تسليم البشير لمحكمة الجنايات الدولية ليمثل أمامها بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور، بعد أن جند قبيلة البقارة وشكل منهم ميليشيا الجنجويد التي كانت تقتل بقبائل الفور. وارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين. جرائم البشير مقارنة بجرائم بشار لا ترقى إلى مستوى الإجرام الهستيري، فهو لم يدمر مدن السودان، ولم يهجر أكثر من نصف السكان، ولم يقتل ما يقارب المليون من قبيلة الفور. ولم ينهب مقدرات السودان، ويفقر الناس، ولم يريط اسمه بالسودان بأكمله : " سودان البشير" على غرار "سورية الأسد" وكأن سورية حديقة خلفية لبيت الأسد. ومع أن واشنطن طبقت على النظام السوري عقوبات قانون قيصر، إلا أنه لم يطلب من أية محكمة دولية كمجرم حرب يجب محاكمته.
البشير زار بشار كأول رئيس دولة يزور دمشق بعد الثورة في محاولة لتعويم النظام، ولا شك أنه كان مدفوعا من دول أخرى ربما دفعت له بسخاء ليقوم بهذه الزيارة. ولسوء طالعه أن مجرد عودته إلى السودان تمت الإطاحة به بثورة الشعب السوداني، وأودع السجن.
بشير وبشار تشابه في الأسماء، وتشابه في الأفعال الفرق بينهما ألف وياء، واحد من أول الأبجدية والأخر من نهايتها، والمسألة من الألف إلى الياء هي قصة مجرمين بحق شعبيهما ولا بد من محاكمتهما. وإذا سلم فعليا البشير لمحكمة الجنايات الدولية فإنه سيكون أول رئيس عربي يمثل أمام محكمة دولية بتهمة جريمة حرب كي يعي كل زعيم عربي مستبد أن الدهر دولاب ولا ضمانة لحصانة، فعندما يسقط المستبد من عليائه تتلقاه الأيدي والأرجل كما حصل مع زعماء عرب كانوا يعتقدون أنهم محصنون فإذا بالأيام تنقلب عليهم بين ليلة وضحاها ويسقطون كما تسقط آخر ورقة تين عن عوراتهم.
وبشار كمجرم حرب يتميز عن كل هؤلاء بأنه كيماوي، وطائفي، وخائن للوطن، وللشعب، وبائع سورية للفرس والروس، ومجوع السوريين الذين مازالوا تحت سيطرته، وحاكم بالوراثة لنظام مخابراتي قمعي ويستمر في وراثته بمسرحيات انتخابية هزلية لا تضحك أحدا... ألا يكفي كل هذا لمحاكمته وقصاصه يا أولي الألباب...