رغم أن ما يلي ينطوي على شيء من الإحراج بالنسبة لي، إلا أنني سأصارحكم به...
أنا كنت مدمناً على سماع خطب أمين عام "حزب الله" اللبناني - حسن نصر الله، وكنت أشعر بسعادة كبيرة لدى إدمانه على استخدام كلمات "مقاومة"، "تحرير"، "كرامة" "رفض الظلم" "هيهات منا الذلة"... وكان لافتاً - بالنسبة لي - استخدامه المستمر لكلمة "الأمّة"!
كثيراً ما شطح خيالي إلى الاعتقاد بأنه من التيار القومي العروبي، الذي يؤمن بضرورة توحيد شعوب الأمة العربية... أعجبني أن خطاب هذا المعمم يختلف عن الخطاب الإسلامي – السياسي السائد؛ الذي لا يعترف بالأمة السورية، ولا بالأمة العربية، ويقفز فوراً إلى ما يسمى بـ"الأمة الإسلامية". وبسبب هذا التفسير كنت أحترم هذا الرجل، وأعتبره قدوة تمنيت لو أن كل قادة الرأي العرب يقتدون به.
وفجأة جاء وقت الامتحان، الذي يُكرم المرء فيه أو يهان!
عندما انتفض السوريون على القمع والظلم والإذلال، كنت على ثقة بأن "حزباً" يقوم على رفض الظلم ونبذ الذلة، لا بد أن يكون حليفاً قوياً لهم، ولا بد أن يُجَـيّـر علاقاته المتينة مع "النظام" لتلبية أكبر قدر من مطالبهم العادلة. لكن الأمور اتخذت منحىً مختلفاً تماماً...
خُطب حسن نصر الله، وانخراطُ "حزبه" المباشر في المعركة ضد الشعب السوري، والنهج الطائفي الفاضح الذي انتهجه منذ اليوم الأول للثورة السورية المباركة، والتسريبات التي انتشرت، ومواقف القياديين الذين انشقوا عن ذلك الحزب، أعطت تفسيراً مختلفاً تماماً لمصطلحات المقاومة، والتحرّر، وكرامة الأمة، ورفض الظلم، وهيهات منا الذلة. اكتشفت – كما اكتشف الكثيرون – أن حسن نصر الله مجرد ذراع من الأذرع المسلحة للمشروع الإيراني؛ الهادف إلى السيطرة على منطقة الشرق الأوسط. واكتشفنا أن القيادة الإيرانية اتخذت من التشيع لآل البيت ستاراً للتغلغل في عمق المجتمعات العربية...
رغم فك رموز تلك الشعارات البراقة التي لعب حسن نصر الله بواسطتها بعقول الكثيرين، بقي عصياً عليّ فهم ما الذي يخفيه حسن نصر الله وراء مصطلح "الأمة"، إلى أن وقعتُ صدفة على نص "البيان التأسيسي" لـ "حزب الله"، الذي تلاه ابراهيم الأمين يوم 16 شباط/فبراير 1985، الذي يقول:
"إننا أبناء أمة حزب الله التي نَصَرَ اللهُ طليعَتها في إيران، فتأسست نواة دولة الإسلام المركزية في العالم. إننا نلتزم أوامر قيادة حكيمة، تتمثل بالولي الفقيه الجامع للشرائط".
ثم عثرت على تصريح لحسن نصر الله، نشرته جريدة "السفير" اللبنانية في الـ16 من أيلول/سبتمبر 1986، يقول فيه:
إن "حزب الله" في لبنان – أمّة، وهذه الـ"أمة" وَجَدت أن الحق لا يُعمل به، فخرجتْ تُصلح في الأرض، كل الأرض، لتقيم فيها حاكمية العدل الإلهي، التي تتواصل وتتكامل بظهور صاحب العصر والزمان".
إذاً فالـ"أمة" التي يتكلم عنها نصرالله هي "طفرة اجتماعية" أحدثها منظرو "ولاية الفقيه"، وليس لها مثيل في كل الأبحاث التي عرفها علماء الاجتماع.