في الـ6 من تموز/يوليو 2018، وعقب ضغط عسكري هائل، ونتيجةً لجولاتٍ من المفاوضات جرت بوساطة روسية بين ثوار محافظة درعا و"النظام"، ورغبة في حقن دماء الأبرياء، وتجنيبهم التهجير والتشرد، ومنع إحداث المزيد من الدمار، قَـبِل الثوار بشروط اتفاقٍ مجحفٍ لوقف إطلاق النار.
لم يكن ضبط الأوضاع في درعا مطلباً للنظام الأسدي فقط، بل مثّل حاجة ملحة لعدة أطراف، منها - الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل، التي لم تكن سعيدة برؤية الفلتان الأمني على حدود إسرائيل، التي حرص النظام الأسدي على حمايتها على مدى نصف قرن... ومنها دول عربية، كانت هي الأخرى قلقة من تسلل الفوضى إلى الأردن وعبره إلى دول منطقة الخليج العربي. وعلى الطرف الآخر تقف إيران، التي لم تتوقف قط عن محاولة تطويق إسرائيل، ليس بهدف إزالتها من الوجود - كما تدعي أبواقها - بل لانتزاع اعتراف من الغرب بأنها القوة العظمى الوحيدة في المنطقة، الأمر الذي يسهم في تسريع قيام إمبراطوريتها المنتظرة تحت اسم "الجمهورية الإسلامية الكبرى".
لم يتضمن ذلك الاتفاق بنداً يمنع الدرعاويين من المشاركة السلمية في إحياء ذكرى انتفاضة السوريين، على الإذلال والغطرسة والقمع. ولم يتضمن بنداً يرغمهم على المشاركة في انتخابات، يعتبرونها – كما كل السوريين - مسرحية ممجوجة؛ دأب النظام الأسدي على تنظيمها منذ استيلائه على البلاد سنة 1970.
أحيا الدرعاويون ذكرى انطلاق الثورة، بكل سلمية وسلاسة، وجددوا تمسُّكهم بالمطالب التي رفعها كل السوريين، والتي هي حق طبيعي لكل شعوب العالم – الحرية، والكرامة، والمساواة بين جميع المواطنين؛ بصرف النظر عن الدين والمذهب والقومية.
امتنعت مناطق عدة في محافظة درعا من المشاركة في ما سُمّي بالـ"انتخابات الرئاسية" التي يعرف السوريون وغير السوريين نتائجها قبل الإعلان عند موعد تنظيمها.
على الرغم من الفقر المدقع الذي يغرق فيه أكثر من 80% من السوريين، إلا أن النظام الأسدي أمعن في التبذير على الانتخابات، لدرجةٍ أثارت حفظية الموالين. فقد علت عبارات التذمر، حتى من صفوف الحاضنة المخلصة للنظام.
أدرك النظام أن الأمور قد تتطور إلى ما لا يحمد عقباه، فالتفت إلى طريقة أثبتت نجاعتها في كل زمان ومكان، ألا وهي – اختلاق عدو خارجي! لهذا رحت أبواقه تبث إشاعات عن وجود خلايا "داعشية" متلطية في درعا البلد. ففرض حصاراً على هذه المنطقة التي تتمتع برمزية ثورية لدى السوريين، ومنع عن سكانها، الذين يناهز عددهم 55 ألف نسمه، المواد الغذائية والدواء. وعندما أدرك أنه لن يستطيع كسر عزيمتهم بالحصار، باشر بالإعداد لشن عملية عسكرية واسعة النطاق، بدعم وتوجيهٍ من حلفائه الطائفيين، تهدف إلى:
- كسر الروح المعنوية للثوار، ليس فقط في درعا – مهد الثورة - بل وفي سوريا عموماً،
- تثبيت الوجود الإيراني في المناطق المحاذية لإسرائيل والأردن.