لبنان إلى أين؟

احتجاجات  وفوضى في لبنان
احتجاجات وفوضى في لبنان

 


كان العثمانيون يقولون: " سعيد من له مرقد عنز في لبنان"، لأن هذه المنطقة التي اقتطعت من سورية، ربما هي أجمل مكان على سواحل المتوسط. ومنها انطلقت سفن الكنعانيين (الذين أعطاهم اليونانيون اسم الفينيقيين) الذين مخروا البحار وأسسوا قرطاجنة.

لكن عدم التعايش السلمي بين السكان كان سببا دائما في خراب لبنان. إذ بدأت حروب لبنان البينية  (الطائفية) في العام 1860 بين الموارنة الذين استوطنوا جبل لبنان بعد أن هجروا شمال سورية، والدروز بعد أن حاول اقطاعي ماروني (طانيوس شاهين) أن يوزع بعضا من أراضيه على الفلاحين (الدروز) في حركة اعتبرها البعض أنها ستثير رغبة الأخرين بالمطالبة بالمثل، وقامت الحرب الأولى بين الدروز والموارنة أدت إلى مقتل مئات الآلاف وخراب لبنان.الأمر الذي استدعى فرنسا في عهد نابليون الثالث للمطالبة من السلطنة العثمانية (حماية مسيحيي لبنان)، ومنحهم الاستقلال الذاتي، ومنذ تلك الفترة وموارنة لبنان يحظون بحماية فرنسا.

مع قرار عصبة الأمم بتطبيق اتفاقية سايكس ـ بيكو دخلت فرنسا سورية وقام الجنرال غورو بهندسة قيام دولة لبنان " الصغير " ( لم يكن شمال لبنان يدخل في حدود هذه الدولة أي طرابلس الشام وعكار الذي أضيف فيما بعد ليصبح لبنان الكبير الذي لا تتعدى مساحته عشرة الاف كم2) في هذه البقعة الصغيرة من سورية يتعايش على مضض كل الطوائف ( مسيحيون بطوائفهم المختلفة، مسلمون سنة، مسلمون شيعة، مع بعض الأقليات الأخرى).

وقد أسست فرنسا دولة قائمة على تفضيل الموارنة على الآخرين ضمن ماسمي ميثاق لبنان ( 1943) والذي ينص على تطويف لبنان سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ( رئيس الجمهورية ماروني وبيده كل الصلاحيات، رئيس الوزراء مسلم سني لايملك سوى صلاحيات محدودة، ورئيس البرلمان مسلم شيعي، كل 30 الف ماروني يمثلهم نائب في البرلمان، وباقي الطوائف كل 60 ألف، قائد الجيش يجب ان يكون مارونيا، ونظام 6ـ6 ستة ستة أي في التوظيف كل ستة موارنة يقابلهم ستة من الطوائف الأخرى.. )، هذا الوضع لم يدم طويلا حيث اندلعت حرب "بنك مرقدة" في العام 1958 ثم الحرب الأهلية 1975 التي قام بها الموارنة لطرد الفلسطينيين من لبنان ودعمهم في ذلك حافظ الأسد الذي قام بمجزرة تل الزعتر لإنقاذ الموارنة الذين كانوا على شفا خسارة الحرب ضد الجبهة الوطنية.

ومع سقوط نظام الشاه، بعد الثورة الخمينية بدأت أولى محاولات تدخل إيران في الشأن اللبناني بدعم حركة أمل التي أسسها موسى الصدر وورثها عنه رئيس البرلمان الدائم نبيه بري. وبتحالف النظام الخميني ـ الأسدي تم إنشاء حزب الله الذي انفصل عن حركة أمل، ولم تنته حرب لبنان إلا مع بداية التسعينيات والتوقيع على مؤتمر الطائف الذي قلص من صلاحيات رئيس الجمهورية، ومنحها لرئيس الوزراء السني. وبقي لبنان رهينة في يد حافظ الأسد ووريثه زهاء ثلاثة عقود انتهت بقرار أممي يجبر الجيش السوري الانسحاب من لبنان والذي اغتيل بسببه رفيق الحريري وحكمت المحكمة الخاصة بضلوع احد أفراد حزب الله بمقتله.

مع تعاظم الوجود الإيراني في لبنان وهيمنة حزب الله على مفاصل الدولة قام الجنرال ( ميشيل عون الذي كان هاربا من لبنان إلى فرنسا) بالتحالف مع حزب الله للوصول إلى الرئاسة، الأمر الذي شق صف الموارنة من مؤيد ومعارض لهذه الخطوة ( سمير جعجع والقوات اللبنانية)، ومنذ تقريبا ثمانية أشهر يعيش لبنان " المعطل " من قبل رئيس الجمهورية ( وبدعم من حزب الله) برفضه لكل التشكيلات الحكومية التي يقدمها رئيس الوزراء سعد الحريري فأوجد فراغا سياسيا، أودى إلى أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وانهيار العملة اللبنانية، وزادت انفجار مرفأ بيروت، وكورونا في الطين بلة، حتى بات لبنان على شفير الهاوية، ورغم تدخلات فرنسا المتكررة لإنقاذ الموقف إلا أن أحدا لم يستجب لتحذيرات فرنسا والاتحاد الأوربي من تطبيق عقوبات على لبنان، واليوم يعيش اللبنانيون أسوأ أوقات حياتهم بسبب تغول حلف عون ـ نصر الله المدعوم من سورية وإيران والذي بات دولة ضمن الدولة، دون الاهتمام بمآسي شعب بأكمله لم يعد له طاقة بشراء علبة حليب على سبيل المثال لا الحصر، واندلع الحريق في كل مكان بما ينذر بحرب جديدة لا تبقي ولا تذر، ولم يعد يتمنى أحد أن يكون له مرقد عنز في لبنان.