مجدداً، عاد "النظام السوري" إلى ممارسة هوايته المفضلة؛ المتمثلة في إرغام السوريين على اختيار واحد من خيارين، كل منهما أمرّ من الآخر - "الجوع أو الركوع". فمنذ ما يقارب ثلاثة أسابيع أغلَقت قواتُ النظام الطرقَ الرئيسية المؤدية إلى مركز مدينة درعا، ومنعت الدخول إليه والخروج منه.
وإذ يتخذ النظامُ وحلفاؤه من قرار سحب السلاح ذريعة لهذا الحصار، إلا أن السبب الحقيقي يكمن في رغبة النظام بالانتقام من الدرعاويين، لا لشيء، إلا لأنهم تمسكوا بحقهم المشروع في حرية التعبير عن رأيهم. ذلك أن مناطق عديدة من مدن حوران وبلداتها وقراها، رفضت المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي جرت مؤخراً، لأنهم رأوا فيها مسرحية هزلية معروفة النهاية.
يتناول نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي هذه المأساة الجديدة في منشوراتهم، ويحاولون لفت انتباه السوريين لها، في ظل تجاهلها التام من قبل المجتمع الدولي. عند هذه النقطة تحديداً ينبغي التوقف والتأمل... إذْ كتب أحد النشطاء - ممن يحظى بمتابعة جيدة في أوساط المؤيدين المتحمسين جداً للنظام - منشوراً يدعو فيه لفك الحصار عن درعا البلد، والكف عن تجويع وتعطيش السوريين. لكن ما يلفت الانتباه - وجود عدد كبير من التعليقات التي تنطوي على كمٍّ هائلٍ من الحقد والعدوانية تجاه سكان درعا. فقد عاد أولئك المعلقون إلى تكرار الادعاءات السخيفة التي نشرتها أجهزة دعاية النظام، القائلة بأن الطفلين - حمزة الخطيب، وثامر الشرعي، ضُبطا متلبسيْن في محاولة اقتحام حي "مساكن الضباط" (الذي يقع في الجزء الغربي من مدينة درعا) بقصد اغتصاب نساء الضباط!! علماً بأن القاصي والداني أصبح يعرف أن كلاً من أولئك الطفلين لم يكن قد بلغ الـ14 من عمره عندما قتلا بوحشية منقطعة النظير. ولعل ما يدعو للدهشة أن تعليقات أولئك "السوريين" تخلو من أي قدر من التعاطف مع المحاصَرين، الذين تضم صفوفُهم – بطبيعة الحال – أطفالاً ومسنّين ونساء.
إن الحقيقة تقتضي أن تُسمي الأمور بمسمياتها، فكاتب المنشور علوي، والتعليقات الحاقدة كُتِبت من قبل معلقين علويين،،، وهنا تكمن المأساة!!! إذ أنّ هذا يؤكد مجدداً أن جهود النظام، الرامية إلى تفتيت المجتمع السوري إلى طوائف وفئات متناحرة – لم تذهب سدى. فقد بات حتى المثقفون العلويون يرون في السنة خطراً على العلويين، وبات هؤلاء على ثقة بأن وجود العلويين رهن باستمرار سيطرة المجموعة الطائفية الحالية على السلطة في سوريا. كيف يستطيع هؤلاء أن ينسوا أن العلويين وكل المكونات الأخرى – هم أبناء الأرض السورية منذ بدء الخليقة، وأن المعتقدات والديانات دخلت الأرض السورية في أزمنة وفترات متتابعة، فتقبلتها فئة من السوريين ورفضتها أخرى. وهذا يعني أن الاختلاف في المعتقد بين السوريين اختلاف في الرأي. والاختلاف في الرأي بين العقلاء لا ينبغي أن يتحول إلى عداء.