كلٌّ يبحث عمّا ينقصه

مجلس الامن / انترنت
مجلس الامن / انترنت


تتكرر بشكل لافتٍ مصطلحات "سيادة" و"استقلال" و"سلامة ووحدة أراضي" الجمهورية العربية السورية. إذ لا يخلو بيان، أو قرار لـ"مجلس الأمن" أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، من هذه المصطلحات. والأمر نفسه ينطبق على البيانات التي صدرت عن اجتماعات جامعة الدول العربية على اختلاف مستوياتها.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل انسحب على البيانات التي صدرت عن "اللقاءات الثنائية" التي عقدها وزير الخارجية الروسي – سرغي لافروف، والرئيس الروسي – فلاديمير بوتين، مع نظيريهما الأجانب، والتي تم خلالها بحث الملف السوري...

من المؤكد أنّ كلّ متابع للأحداث لاحظ أن الروس هم الأكثر حرصاً على نطق هذه العبارات، وتثبيتها في محاضر الاجتماعات وفي البيانات التي تصدر عنها،،،

فهل هذا الحرص اللفظي أو الكتابي يعكس حقيقة الأمر؟

الإجابة على هذا السؤال تكمن في الإجراءات والتدابير التي يتخذها الروس أنفسهم. فمن المعروف أن الروس هم من ابتدع "مسار أستانا".. ومن المعروف أيضاً أن "جداول أعمال" كل الاجتماعات التي عُقدت تحت هذا المسمى، كانت ولا تزال توضع من قبل ممثلي روسيا وتركيا وإيران... وأنّ رؤساء هذه الدول، ووزراء خارجياتها، يجتمعون بشكل دوري لبحث مستقبل سوريا، وسط غياب تامّ لأي ممثل لسوريا.

وبالإضافة إلى ذلك، يحرص المسؤولون الروس على تكرار مطالبة الولايات المتحدة بالانسحاب التام من سوريا.

وعندما حان موعد الانتخابات الرئاسية، التزم "النظام" الصمتَ فترة طويلة؛ لدرجة أن الكثير من المحللين شككوا بإمكانية حصولها قبل اعتماد "دستور جديد". ومن المفارقة الفاقعة أن وزير الخارجية الروسي هو من أعلن (بشكل ملتوٍ) عن إقامة الانتخابات في وقتها.

وفي الـ22 من حزيران/يونيو الجاري، زار نائب رئيس الوزراء الروسي – يوري بوريسوف، دمشق، ومن هناك أعلن عن قرب تشكيل حكومة سورية جديدة.

هذا غيضٌ من فيضِ أمثلةٍ تؤكد انعدام الـ"سيادة" والـ"استقلال" المعنويّيْن السوريّيْن. أما الحديث عن "الاستقلال" المادي (الملموس) فكان من الممكن أن يثيرَ الضحك لولا أنه مُبكٍ. إذ لم يعد خافياً على أحد الوضع في شرقي الفرات، وفي غربه أيضاً. وحتى المناطق "المحررة" (حسب منطق "النظام") تقع – في واقع الأمر - تحت سيطرة الروس والإيرانيين. فموقع "النظام" فيها يندرج تحت قول معروف الرصافي:

قـد مـلـكـنـا كـل شـيء *** نحن في الظاهر لكن

نحن في الواقع لا نمـ *** لك تحـريـكـاً لسـاكـن

ويحضرني في هذا السياق أن إحياء ذكرى الاستقلال عن فرنسا (في الـ17 من نيسان/أبريل) تم في قاعدة حميميم العسكرية الروسية، برئاسة الأميرال – فياتشيسلاف سيتكين، وحضور وزير الدفاع السوري – علي أيوب، وعدد من كبار مسؤولي "النظام".

إن إصرار أبواق "النظام" و"محور المقاومة" على التبجح بعبارات سيادة سوريا واستقلال قراراها وسلامة ووحدة أراضيها، يذكرني بالمقولة الرائعة للكاتب الأيرلندي الشهير – جورج برنارد شو: "كل يبحث عمّا ينقصه".