ثمة في الموروث الديني قصة تتحدث عن امرأتين جاءتا إلى النبي سليمان (عليه السلام) ومعهما طفل. وكانت كلٌّ منهما تـدّعي أن الطفل فلذةُ كبدها، وأن الأخرى مُـدّعية.
وفي محاولة منه لاكتشاف الأم الحقيقية، أقدم النبي سليمان على إيهام المرأتين بأنه عازم على قسمة الطفل إلى قسمين، لكي يعطي كلاً منهما قسماً. عند ذلك أعلنت إحداهما التنازل عن حصتها لصالح المرأة الأخرى؛ فعرف سليمان أنها هي الأم الحقيقية،،،
وبإسقاط هذه القصة على واقع منطقتنا، نرى أنّ "السلم الأهلي" هو (الطفل) الذي ينبغي على جميع سكانها أن يصونوه بكل الوسائل، لأن البديل يعني التخلف والدمار.
ولكي نعرف مَن ـ مِن مكونات هذه المنطقة ـ يحرص على السلم الأهلي، يجب ألا نَـرْكُـن إلى ما يقال في العَلن، لأن الرياء سمة العصر؛ بل يجب أن نبحث عما يُقال في الغرف المغلقة، خاصة وأن الثورة المعلوماتية تتيح لنا معرفة الكثير من خبايا الأمور.
لعل من أهم وسائل كشف المستور ـ موقع "ويكيليكس" الذي لم تستطع أية جهة تكذيب ما يسرّبُه من وثائق. فقد سرب "ويكي ليكس" تقريراً سِـرّياً أرسله السفير الأمريكي لدى الجمهورية اللبنانية – جيفري فيلتمان، إلى رؤسائه في واشنطن، ذكـر فيه أن وزير العدل اللبناني الأسبق ـ شارل رزق، أطلعه على حديثٍ دار بينه وبين السفير الإيراني في لبنان - محمد رضا شيباني، أشار الأخيرُ خلاله إلى "وجود الكثير من المصالح المشتركة بين المسيحيين والشيعة في لبنان"، مؤكدا أن بلاده (إيران) معنية ومهتمة "بتوفير الحماية للطرفين، في وجه التطرف والطمع الـسـنّـيـيـْن".
وأضاف فيلتمان في تقريره ذاك، أن شارل رزق، أطلعه على حديث آخر دار بينه وبين الزعيم الماروني (الرئيس اللبناني الحالي) ـ ميشال عون، استخدم الأخيرُ خلاله مفرداتٍ غاية في العنصرية، لدى حديثه عن السنّة، حيث وصفهم بـ"الحيوانات". وأكد الوزير "رزق" للسفير "فيلتمان" أن "عون": "يرى ضرورة الوقوف إلى جانب النظام العلوي لحماية لبنان من السنّة. وأن التحالف الشيعي - الماروني هو الوسيلة الوحيدة لمواجهة التهديد السنّي الداخلي، والسني الخارجي؛ المتمثل بالسعودية".
لم يعد جائزاً النظر إلى تحالفِ أقليات دينية – مذهبية، مُوَجّـهٍ ضد "السنة"، على أنه شطحة من شطحات "نظرية المؤامرة"، إذ أن الأحداث الكارثية، التي حلّت بسوريا خلال السنوات العشر الأخيرة، لم تترك مجالاً للشك في وجود مخطط لدى النظام الإيراني لفرض سيطرته على عموم منطقة الشرق الأوسط، وذلك عبر تشييع ما يستطيع من مكونها "السنيّ"، وبث الفتنة والفرقة بين المكونات الدينية والمذهبية الأخرى، تمهيدها لوضعها تحت وصايته. وهذا ما تحدث عنه بوضوح، عالم الاجتماع اللبناني (المسيحي الماروني) الدكتور – نبيل خليفة، في كتابه "استهداف أهل السنة".
وإذا ما ألقينا نظرة تحليلية على سياسات إيران، من منظور استقرار منطقتنا والتعايش السلمي بين مكوناتها، نستطيع بسهولة أن نعرف من هي "أم الولد الحقيقية".