الجملكية الأسدية وشرعية الحكم

المسرحية المستمرة
المسرحية المستمرة


تمثل سوريا تحت حكم العائلة الأسدية حالة خاصة لا يمكن أن تعطى توصيفا سياسيا بمفهوم علم السياسة. فتحت أي تعريف يمكن أن نصف هذا الحكم؟ هل هو ملكي مطلق؟ هل هو ملكي دستوري؟ هل هو جمهوري؟ هل هو قبلي ـ عشائري؟ هل كارزمي انتصر مؤسسه في حرب ما، أو قاد ثورة على استعمار؟ كل هذه الأسئلة سيكون الجواب عليها طبعا بالنفي، فالنظام الأسدي لا ينتمي إلى إي من هذه التوصيفات.

 بدأت العهدة الأسـدية عمـليا منـذ أن دخـلت سـوريا مرحـلة حكم البـعث بعد انـقلاب 1963 والإطاحـة بالنظـام الديمـقراطـي..وتغلغل الحزب في الجيش، والجيش في الحزب، وجاء ما يسمى بحركة 23 شباط/ فبراير (حركة داخل حزب البعث ضد القيادات التقليدية) لتثبت أقدام حافظ الأسد كقائد سلاح الطيران ووزير الدفاع فيما بعد، وكوزير دفاع كان هو من قاد حرب حزيران/يونيو، وهو من أصدر البلاغ رقم 66 الشهير والذي يأمر الجيش بالانسحاب من الجولان طوعيا بحجة أن الجيش الإسرائيلي قد احتل مدينة القنيطرة وفي الواقع كان بلاغا كاذبا والجيش الإسرائيلي لم يكن قد وضع قدما واحدة في القنيطرة ولا في الجولان ككل.

هذه الواقعة مازالت إلى اليوم تتفاعل خاصة بعد إعلان دونالد ترامب السيادة الإسرائيلية على الجولان. لكن الجنرال الأسد بدل أن يستقيل، أو ينتحر بعـد الـهزيمة التي وصفها بـ«النكسة»، واعتبر أن نظام البـعث قد انتـصر « لأن إسرائيل فشلت في تحقيق هدفها وهو إسـقاط النظام الثوري في دمشق» انقلب على رفيـقه اللواء صلاح جديد، في العام 1970 تحـت مسمى « الحركة التصحيحية» واغتيال رفيقه الآخر محمد عمران والكل ينتمي للـطائفة العلـوية)).

بمفهوم آخر أن الذي قدم نفسه «كقائد ملهم» لإخراج سوريا من أزمتها، أدخل بنفسه سوريا في أزمة أكبر، وأعقد تعاني مـنها مـنذ أكثر من ستين عاما، وقام بتطويف الدولة والمجتمع، وبضرب المعارضـة السورية التي رفضت حكمه والتي انتـهت بمجزرتين كبيرتين (مجزرة سجن تدمـر في العام 1980 ومجـزرة حمـاة في العـام 1982) وعليه فإنه فاقد للشرعية الكارزمية كقائد ملهم استولى على الحكم بحجة مقدرته على إخراج البلاد من أزمتها. وخلال ثلاثة عقود من حكمه عمل الأسد على تعطيل كل المؤسسات، والأحزاب، والإعلام الحر، وكل ما يمكن أن يضغط في اتجاه التحول إلى نظام ديمقراطي، فخلال ثلاثة عقود لم تجر أي انتخابات عامة لمنصب رئيس الجمهورية. بل استفتاءات لم يوجد في صناديقها سوى كلمة: نعم.

أسس عددا من الأجهزة الإستخباراتية (المخابرات العسكرية والمخابرات الجوية وأمن الدولة والأمن السياسي) المرتبطة بمكتب الأمن القومي في حزب البعث، التي خلفت مئات الآلاف من الأبرياء القتلى تحت التعذيب. كما وضع دستور 1973 الذي يضمن له صلاحيات واسعة، ولحزب البعث الذي بات «الحزب القائد للدولة والمجتمع»، واستمر في الحكم حسب استفتاءات شعبية حيث لا منافس له، وليس بالانتخابات الحرة، وتنافس الأحزاب، وعليه فإنه فاقد للشرعية الديمقراطية. إثر وفاته في العام 2000 تم تنصيب وريثه بشار لتصبح الجمهورية العربية السورية:" الجملكية الأسدية السورية " التي تتماشى مع الشعار المطروح منذ عهد الأب المؤسس:" الأسد إلى الأبد".

وقد تم تعديل الدستور سريعا كي يتلاءم مع عمر الوريث الذي لم يتجاوز ال 34 سنة في حين ينص الدستور أن يكون عمر الرئيس ان لا يقل عن الاربعين سنة. استمر بشار الأسد، الوريث في الحكم على نهج أبيه، ولم يقم بأي انفتاح سياسي، بل إن القبضة الامنية، والاعتقالات، والفساد دفعت بالشعب السوري بعد أحد عشر عاما من حكمه إلى الثورة التي انتهت بتدمير سوريا ومقتل أكثر من نصف مليون انسان، وتهجير أكثر ستة ملايين، ونزوح الملايين، وتمكين قوى دولية وإقليمية من وضع أقدامها في سوريا. رغم كل ذلك ما زال يستمر في الحكم بعد نصف قرن من حكم عائلة الأسد، وبعد كل المآسي التي سببها لسورية وللسوريين لم يتوان عن إقامة "انتخابات" يرفع فيها راية النصر بحصوله على علامة شبه كاملة من الناخبين الذين "أثبتوا محبتهم له" تحت وقع التهديد، ولكن بأي شرعية؟

Like7