أصبح واضحاً أن فراس الأسد قرر القطيعة مع العائلية التي ينتمي إليها بيولوجياً، وحرْقَ كل جسر يربطه بها. ذلك أنه - وللمرة الأولى منذ أن أعلن تبرّؤه من والده - نشر على صفحته في فيسبوك منشوراً يتألف من 5 كلمات فقط: "عاشت سوريا ويسقط بشار الأسد".
وفي هذا السياق، ذكر فراس - في منشوره الأخير - حدثاً في غاية الأهمية..
من المعلوم أن حافظ الأسد أصيب في العام 1983 بسرطان الدم. ومنذ أن عرف ذلك، دخل في سباق مع الزمن لتمهيد السبيل أمام ابنه "باسل" لاعتلاء عرش سوريا بعد موته، فانتزع البيعة له من عدد من الشخصيات المحورية في نظامه.
تصرفات حافظٍ تلك استفزت شقيقه "رفعت" الذي كان يرى أنه الأحق بوراثة العرش. لهذا راح يعد العدة للإطاحة بشقيقه، وقطع الطريق أمام باسل إلى قصر تشرين. لكن كبار القادة العسكريين والأمنيين أعلنوا ولاءهم لرئيسهم وولي نعمتهم - حافظ، لهذا قبل "رفعت" أن يتراجع عن المضي قدما في تنفيذ انقلابه العسكري، مقابل شروطٍ، ذكر فراسٌ منها:
تحويل مبلغ 200 مليون دولار من البنك المركزي السوري، إلى حسابٍ لـرفعت في أحد البنوك السويسرية،
السماح له بإخراج مبلغ 100 مليون دولار نقداً، وكميات كبيرة من الذهب والتحف والآثار، معبأة في حقائب وصنادق خاصة.
أريد هنا أن أتوقف عند الشرط الأول، وأسأل:
هل تعرف - أيها القارئ الكريم - ماذا يعني البنك المركزي؟ وما هي وظيفته؟
إنه المؤسسة المسؤولة عن الاستقرار النقدي والمالي في الدولة، والمعنيّة بتعزيز النمو الاقتصادي، من خلال السيطرة على التضخم، وخفض معدل البطالة.
هذا يعني أن موجودات البنك المركزي هي ملكٌ مباشر لكل المواطنين، وكل ما يمس البنك المركزي يمس حياة كل مواطن بشكل مباشر. لهذا السبب يكون البنك المركزي في كل الدول التي تُحكم بالقوانين، مستقلاً عن السلطات التنفيذية والتشريعية.
هناك شرط في غاية الأهمية، ذكره فراسٌ في منشور له بتاريخ 13 حزيرن 2018، مفاده أنّ رفعت اشترط تعيينه في منصب "نائب رئيس الجمهورية". وهذا يعني أنه هو وأفرادَ عائلته، وكلَّ من سافر معه (من مستشارين، ومساعدين، ورؤساء مكاتب، وإداريين، ومرافقين، وسائقين، وحراس) ظلّوا يتقاضون رواتب، وأذونات سفر خارجية، من عام 1984 وحتى عام 1998. وكل هذه الرواتب والتعويضات بالعملة الصعبة، ومن جيوب الشعب السوري الفقير...
في الدولة الأسدية،
لا وجود للقوانين ولا للمؤسسات ولا للسلطات؛ فكل شيء يسير وفق رغبة الأسد وحسب أمره...
موجودات البنك المركزي من عملات صعبة ومعادن ثمينة، المخصصةُ لتسيير أمور المواطنين يستولي عليها حافظ بجرّة قلم، ويدفعها لشقيقه لكي لا يعرقل مسيرة توريث ابنه باسل!!!
لا وجود للشعب في حسابات حافظٍ ووريثِه، ولا يهمّهما تدنّي مستواه المعيشي إلى الصفر.
هل هناك دليل أكثر إقناعاً على أنّ حافظ الأسد حوّل سوريا إلى مزرعة لعائلته، وحول السوريين إلى مجرد أقنان؟