ذات يوم، مر أمامي منشورٌ لشخصٍ اسمه فراس الأسد، وصورته تشبه جداً سحنة آل الأسد. قرأت ذلك المنشور، فشدني، ودفعني لمواصلة البحث في عمق صفحة ذلك الشخص، إلى أن اقتنعت بأنني أمام شخص؛ ليس من المتملّقين، الذين يضعون صورة أحد الأسديين تعبيراً عن الولاء والعبودية لتلك العائلة، كما أنه ليس مجرد عضو هامشي من أعضاء تلك العائلة، بل من "عظام رقبتها"؛ إذ أنه أحد أهم أبناء رفعت!
شاءت الأقدار أن يكون فراس مقرباً جداً من والده، الأمر الذي أتاح له الاطلاع على الكثير من خفايا الأمور. وعندما بلغ مرحلة النضوج الفكري، عانى فترة من الصراع المرير بين الضمير والرغبة، بين الصدق والزيف، بين الحقيقة والنفاق، انتهت إلى الانشقاق.
انشقاق فراس - نادرٌ من نوعه! وشهادته على العصر الأسدي المظلم - هي الأكثر أهمية بين كل ما كتب وقدم من شهادات؛ لأنها تأتي من "شاهدٍ من أهله".
يتحدث فراس عن غنىً خياليّ، ويقول بمنتهى الصراحة والوضوح، إن النظام الذي أسسه عمُّه بمساعدة ومشاركة والده – مجردُ عصابة لئيمة وعميلة. فقد كتب في أحد منشوراته، أنه في سنة 1982، سأل أحدُ أقربائه والدَه، عما إذا كان من الممكن حصول انقلاب على النظام، فأجاب رفعت بالنفي القاطع، ثم استطرد مفسّراً:
"من المستحيل أن ينجح أي انقلاب عسكري في ظل سيطرة سرايا الدفاع على العاصمة، وفي ظل الولاء المطلق لكبار ضباط الجيش وقادة الفرق والألوية والكتائب، وفي ظل القبضة الأمنية التي تُحصي أنفاس كل ضابط وكل عسكري على مدار الساعة".
وأضاف:
"لا وجود أيضاً لتهديد خارجي للنظام، فهذا الأمر بيدنا نحن.. نحن من يتحكم به... فمن أين سوف يأتي الخطر؟!".
وتعليقاً على ذلك المنشور، سأل أحدُهم فراساً:
- ماذا كان يقصد والدك عندما نفى وجود تهديد خارجي، قائلاً "هذا الأمر بيدنا نحن"؟
فأجاب فراس:
- لم أفهم ذلك حينئذٍ، ولكني كبرت وفهمت!
وفي منشور آخر، خاطب فراس أخاه دردياً بالقول:
"ليس ذنبي أنني تفاجئت في أوروبا - في ظل أبيك - أن كل ما تعلمتُه عن الوطن، وعن الوطنية كان كذبا و نفاقاً،
ليس ذنبي أنني اكتشفت في أوروبا حجم الكذبة التي يعيشها كل مواطن في سوريا،
ليس ذنبي أنني رفضت أن أكون عميلا رخيصا للأجانب،
ليس ذنبي أنني أرفض الانتماء إلى عائلة لها ألف وجه و وجه، إلى عائلة لا تحلل ولا تحرم، إلى عائلة لا تعرف الله ولا الضمير،
ليس ذنبي أنني أردت القطيعة مع كل هذا التاريخ المزيف".
أثارت شهادة فراس واعترافاتُه حُنق إخوته وأبناء عمومته، فانهالوا عليه بالشتائم، ووصفوه بالعقوق والكذب. وذهب الأمر بأخيه الأكبر – دريد، إلى تهديده بالقتل إن هو لم يتوقف عن نشر ما أسماها أكاذيباً وترهات.
تهديد دريد لفراس بالقتل لم يشكل مفاجأة للسوريين، فقد سبق لهم أن شهدوا كيف أن رفعت كاد أن يطيح بشقيقه وولي نعمته حافظ، عندما لمس عنده ضعفاً.