ابتداءً من أوائل عام 2017، أي مع تشكيل ثلاثي أستانا (تركيا، روسيا، إيران)، أصبح جزءاً دائماً من الحديث الإعلامي المتعلق بمستقبل النظام السوري، الحديث عن احتمال عودته إلى الجامعة العربية، وعن اتفاقات من تحت الطاولة يجري عقدها مع السعودية بشكل خاص.
مع الوقت، وبحكم التقدم الذي جرى على الأرض ضد المعارضة السورية ولمصلحة روسيا وإيران، بدأت الأحاديث «الخلفية» تزداد تواتراً وشدة، وبدأت بالتحول إلى واقع مطلع 2018 مع افتتاح السفارة الإماراتية في دمشق.
لم تتوقف الأمور عند التطبيع مع العرب ومع السعودية فقط، بل وانتقلت بعد ذلك إلى الحديث عن تطبيع مع الأمريكي، وجرى تحفيز ذلك عبر جريدة الأخبار اللبنانية التي يسيطر عليها حزب الله اللبناني، والتي سرّبت خبراً في آب 2018 عن لقاء جمع علي مملوك مع مسؤولين أمريكيين.
وزاد الكلام في هذا الاتجاه، أي عن تطبيعٍ بين النظام والإدارة الأمريكية، بعد إعلان مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي في حينه، يوم 14 آب من العام 2020، عن أنّ ترامب قد أرسل رسالة لما أسماها الحكومة السورية داعياً إياها للتعاون في كشف مصير الصحفي الأمريكي أوستن تايس الذي من المتوقع أنه معتقل منذ آب 2012 في سجون النظام.
تزامن توقيع اتفاقات التطبيع بين إسرائيل وبعض الحكومات العربية، والحديث عن تطبيع العلاقات مع النظام السوري من تلك الحكومات نفسها، ربط القضيتين ببعضهما شكلياً على الأقل.
تطورت الأمور إذن من تطبيع للنظام مع العرب، إلى تطبيع مع الأمريكي، إلى الحديث عن تطبيع مع إسرائيل... يمكننا أن نرصد ذلك مثلاً في الإصرار لدى صحيفة الشرق الأوسط السعودية عبر الصحفي السوري الذي عمل سابقاً مقرباً من القصر الجمهوري إبراهيم حميدي على الكتابة بشكل شبه يومي عن احتمالات التطبيع بين النظام السوري وإسرائيل، وهو الأمر الذي من الواضح أنّ السعودية تشجعه وتحاول أن تستخدمه ضمن عملية التطبيع مع إسرائيل التي تريد هي نفسها القيام بها ولكنها لا تزال ترى أن الظروف غير مناسبة حتى الآن، وأن التطبيع السوري، حتى وإن كان شبه علني وليس علني تماماً، سيساعدها بشكل كبير، هذا بالإضافة طبعاً إلى أنّ السعودية ترى في تقارب النظام السوري مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل تباعداً مقابلاً مع طهران، وهو أحد الأهداف الرئيسية للسعودية في سوريا.
بعد انتصار غزة عبر صمودها، ارتفع الحديث خلال الأيام الماضية عن تطبيع للعلاقات بين النظام السوري وحماس التي باتت مقربة من إيران بشكل معلن، وهذا اتجاه معاكس تماماً لما تريده السعودية.
من يعرف ويدرس النظام السوري ابتداءً من حافظ الأسد وحتى اليوم، يعلم أنّ السياسة التي كان يتبعها على الصعيد الدولي والإقليمي هي سياسة انتهازية وابتزازية للجميع؛ فرغم أنه كان مؤيداً بالشعارات للاتحاد السوفياتي المنحل، إلا أنه دخل لبنان بالاتفاق مع الأمريكي، وحارب إلى جانب الأمريكي في حرب الخليج. وكان يستفيد دائماً من الصراع الدولي بحيث يلعب ضمن هوامشه.
والابن يتابع سيرة أبيه، ويحاول اللعب اليوم بين روسيا وإيران وتركيا من جهة، وبين أمريكا وإسرائيل والخليج العربي من جهة ثانية، أي بين مجموعة أستانا والمجموعة المصغرة.
انتصار غزة يحاصر النظام ضمن معسكر حلفائه الروسي والإيراني، وهذا ما قد يراه البعض خسارة للثورة السورية، ولكنه في الحقيقة مكسب لها، لأنّ تضييق هوامش المناورة على النظام سيقوي سطوة حلفائه عليه، وسيجعله قابلاً للبيع بطريقة أسهل ضمن البازارات الدولية التي لا بد أن تنضج في يوم ما، نتمنى ألا يكون بعيداً...