فرح وحذر في دمشق.. هل يكفي رفع العقوبات لإعادة سوريا إلى العالم؟

مصرف سوريا المركزي
مصرف سوريا المركزي

في دمشق، حيث تتقاطع الأزمنة بين حجارة الأسواق القديمة وصخب الحاضر، بدا المشهد في الأيام الأخيرة أقرب إلى حلم جماعي يتلمسه الناس بأطراف أصابعهم. موظفو البنك المركزي يعدون رزم الليرات السورية، بينما يراقبهم مديروهم بنظرات امتزج فيها القلق بالأمل، كأنهم ينتظرون إشارة خفية بأن شيئاً كبيراً قد تغير فعلاً.

من واشنطن، جاء القرار: الإدارة الأمريكية ترفع العقوبات التي خنقت الاقتصاد السوري لسنوات. لم يكن الإعلان مجرد إجراء تقني أو تعديل في لوائح وزارة الخزانة، بل كان بمثابة رسالة سياسية عميقة: ثمة صفحة جديدة تُفتح، ولو بحذر، أمام بلد أنهكته الحرب وأتعبته العزلة.

القرار لم يكن وليد لحظة واحدة. في الخلفية، سلسلة من اللقاءات والمشاورات بدأت في الرياض، حيث اجتمع الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في مشهد بدا وكأنه إعادة رسم لخريطة المنطقة. لم تخل هذه اللقاءات من الرمزية: سوريا، التي لطالما كانت في قلب التوترات الإقليمية، تعود اليوم إلى طاولة السياسة الدولية، لكن بوجه جديد وخطاب مختلف.

في شوارع دمشق، كان الفرح عارماً. ثمة من خرج إلى المقاهي، وثمة من اكتفى بابتسامة مرتابة، وكأن الجميع يريد أن يصدق أن الحصار قد انكسر أخيراً. لكن وسط هذا التفاؤل، كان الخبراء يذكرون بأن العقوبات ليست مجرد قوانين، بل هي أيضاً رواسب خوف وسنوات من انعدام الثقة لن تزول بقرار واحد.

وزارة الخزانة الأمريكية تحدثت عن “رفع فعلي” للعقوبات، وسمحت بمعاملات مالية واسعة مع البنوك وشركات النفط والطيران السورية. وزارة الخارجية منحت إعفاءً مؤقتاً من عقوبات قانون قيصر، في إشارة واضحة إلى أن الطريق ما زال اختباراً مفتوحاً أمام الحكومة الجديدة في دمشق.

وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو تحدث عن تسهيل الخدمات الأساسية، وتوفير الكهرباء والمياه، وتحسين الاستجابة الإنسانية. أما في دمشق، فقد رأت الحكومة الجديدة في القرار خطوة أولى نحو إعادة بناء الاقتصاد وتخفيف المعاناة عن ملايين السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر.

ومع أن الشارع السوري احتفى بالقرار، بقيت الأسئلة الكبرى بلا إجابات نهائية: هل سيكفي رفع العقوبات وحده لإعادة بناء الثقة المفقودة؟ وهل تستطيع حكومة دمشق الجديدة أن تترجم هذا الانفتاح السياسي إلى واقع اقتصادي واجتماعي ملموس؟ أم أن الطريق نحو التعافي لا يزال طويلاً، محفوفاً بتحديات الداخل وريبة الخارج؟

هكذا، وسط الاحتفالات الحذرة في دمشق والتصريحات المدروسة في واشنطن، تبدو سوريا اليوم وكأنها تقف على عتبة زمن جديد—زمن يتردد فيه صدى السؤال الأبدي: هل يبدأ المستقبل حقاً من هنا؟