أصدرت العديد من الأحزاب والتكتلات ضمن المعارضة السورية خلال الأسبوع الماضي بيانات ومواقف ضد المسرحية الانتخابية التي سيقيمها بشار الأسد.
ولا شك أنّ كل السوريين، بمن فيهم الموجودين تحت سيطرة النظام، بل وحتى المؤيدين منهم، يعلمون أن هذه الانتخابات ليست أكثر من مسرحية وأنّ رفضها هو موقف وطني لا غنى عنه، وأنّ من يشترك بها أو يغطي عليها يضع نفسه في موقعٍ معادٍ لكل السوريين...
ولكن هذا هو العنوان فقط والعنوان كما علمتنا التجربة السورية المريرة غير كافٍ لقراءة المكتوب وفهمه... لذا فلنفتح الظرف ونقرأ من المكتوب أي من بيان الإخوان المسلمين الصادر يوم 5 أيار الحالي، الفقرة التالية: "وعليه.. فإننا في جماعة الإخوان المسلمين في سورية، ندعو كل القوى والشخصيات الوطنية المخلصة، لتشكيل جبهةٍ عريضةٍ، لرفض الانتخابات، وقطع الطريق على المهزلة الانتخابية، وربط تمرير قرار تنفيذ الانتخابات المهزلة، بالموقف من "العملية السياسية"، بكل فصولها وفروعها".
الدعوة هنا هي لتشكيل جبهة ضد الانتخابات وهو أمر جيد بلا شك، ولكن ماذا بعد ذلك؟ ما تقوله هذه الفقرة أنّ الجبهة المراد تشكيلها يجب أن تمنع حدوث الانتخابات، وإن لم تستطع ذلك، أي إن تم إجراء الانتخابات، فإنّه يترتب على ذلك أنّ هذه الجبهة يجب أن تتخذ موقفاً "من العملية السياسية بكل فصولها وفروعها"...
ألا يعلم كاتبو البيان أن الانتخابات ستجري ولن يتمكنوا من منعها؟ نعم يعلمون ذلك... إذاً ما هي حقيقة "المكتوب"؟ الحقيقة هي أنّ الإخوان الذين لم يذكروا القرار 2254 نهائياً ضمن بيانهم، يريدون كما النظام استخدام الانتخابات لنسف هذا القرار ونسف فكرة الحل السياسي من أساسها...
ولكن ما هو البديل الذي لدى الإخوان؟ البديل هو أنهم يرون أنفسهم موجودين "في السلطة" عبر تحكمهم بالائتلاف وبالحكومة المؤقتة، ويسيطرون بالتالي على جزء من سوريا، وهذا يكفيهم مبدئياً إلى ما شاء الله... أي أنهم كما السلطات الأخرى في سوريا، في الشمال الشرقي وسلطة الأسد، كلهم يؤمنون بمقولة إلى الأبد...
أبعد من ذلك، فإنّ ما يجري العمل عليه بشكل شبه علني ابتداء من إعلان تشكيل مفوضية الانتخابات، هو الذهاب نحو إقامة ما يشبه الدويلة في الشمال الغربي... والذريعة هي أنّ هذه هي الطريقة المثلى لمنازعة النظام على شرعية البلاد... كيف؟ عبر الاستفادة من انتخابات النظام، للقول "ما حدا أحسن من حدا" وبالتالي إجراء انتخابات أخرى ضمن مناطق الشمال الغربي... وتحركات السيد نصر الحريري في استعراض حرس الشرف وتوزيع أحجار الأساس أمام الكاميرات وإلخ، تشير بنفس الاتجاه، أي باتجاه أن هنالك دويلة ناشئة في الشمال الغربي!
وهل يزعج أمر كهذا بشار الأسد؟ على الإطلاق، فهو غير مهتم إذا جرى تقسيم سوريا ما دام يملك جزءاً يمارس عليه سلطته... بل وأكثر من ذلك فإنّ عملية التقسيم ربما تكون حلاً بالنسبة لـ "السلطات الثلاث" في البلاد... كل سلطة تأخذ بلدها ورعيتها... ويحتاج الشعب حينها بدلاً من ثورة واحدة أربع ثورات... ثلاثاً للتخلص من السلطات الثلاث ورابعة ليوحد بلاده من جديد!
الدرس الذي نعتقد أنه الأهم في هذه المسألة كلها، هي أنّ الشعار قد يكون براقاً وجميلاً ولكن الهدف الحقيقي يمكن أن يكون معاكساً تماماً ...