من السذاجة أن يصدق أحدٌ أنّ الروس انخرطوا في الصراع السوري نزولاً عند رغبة قائد فيلق القدس السابق - قاسم سليماني، أو إكراماً لعيون الولي الفقيه. إذ أن المراقبين يعرفون أن ذلك تم على خلفية أحداث دراماتيكية عصفت بأوكرانيا وأسفرت عن الإطاحة بالرئيس - فيكتور يانوكوفيتش، الموالي لروسيا، وانفصال شبه جزيرة القرم عن أوكرانيا وانضمامها إلى روسيا، واندلاع نزاع مسلح بين إقليمي لوهانسك ودونيتسك (لاحقاً – دونباس) - من جهة، والقوات الحكومية الأوكرانية - من الجهة الأخرى. ونتيجة للحدثَيْن الأخيريْن تفاقم النزاع بين روسيا والغرب. حيث طالب الأوربيون والأمريكيون روسيا بإعادة شبه جزيرة القرم إلى السيادة الأوكرانية، وبوقف دعم المتمردين الانفصاليين في دونباس. لكن روسيا أعلنت بالفم الملآن أن جزيرة القرم غَدتْ خارج كل نقاش بعد أن أصبحت جزء لا يتجزء من التراب الوطني، وأنها لا تقدم لسكان دونباس سوى معونات إنسانية. عند ذلك فرض الغرب عقوبات اقتصادية قاسية جداً.
لقد كانت القيادة الروسية دائماً على ثقة بأن الأمريكيين والأوروبيّين، يقفون وراء كل الثورات التي استهدفت وتستهدف الأنظمة التي إما أنها موالية لموسكو أو أنها تلتزم نوعاً من الحياد. فقد تمكنت الثورات، التي يُطلِق عليها الروس صفة "المُلوّنة"، من الإطاحة بالأنظمة في العراق، وجورجيا، وقرغيزيا، وتونس، مصر، وليبيا، واليمن. وكان الخطر محدقاً تماماً بالأنظمة في سوريا وبوليفيا وفنزويلا. لهذا كانت القيادة الروسية عازمة على عدم السماح بفقدان سوريا، وهذا ما يفسر إصرارها على استخدام الـ"فيتو" لإحباط كل محاولة لإسقاط النظام الأسدي، ثم التدخل بثقلها العسكري عندما أصبح ذلك ضرورياً.
مع مرور الوقت، تمكنت القيادة الروسية من تقسيم المشكلة السورية إلى قسمين:
سوريا كدولة: قررت أن تُبقيها تحت وصايتها لفترة طويلة،
النظام السوري: جعلت منه ورقة مساومة مع الغرب للحصول على ما أمكن تنازلات.
يمكن للمتتبع لأحداث السياسية العالمية أن يلمس علاقة بين التطورات في العلاقات الروسية – الغربية، والتصريحات التي تصدر عن المسؤولين الروس. فعندما يُخفّف الغربيون لهجتهم، يخرج لافروف ليقول إن الجولة السادسة من اجتماعات اللجنة الدستورية ستكون مختلفة تماما عن سابقاتها.. فتنتعش الآمال بقرب خروج الأزمة السورية من عنق الزجاجة، وعندما يقول مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي "إن حكومة الرئيس - فلاديمير بوتين، مستبدة، وخائفة من الديمقراطية، وترغب بالانفصال عن أوروبا، وتسعى لتفريق الغرب"، يخرج لافروف ليقول إنه ليس ثمة في قرار مجلس الأمن 2254 ما يمنع إجراء الانتخابات الرئاسية السورية في موعدها.
من الواضح أن القيادة الروسية، فقدت الأمل في الحصول على تنازلٍ من الغرب في أي من الملفات الخلافية، ولهذا قررت إعادة تدوير بشار الأسد. ويبقى إفشال هذا المخطط الجهنمي منوطاً بوعي السوريين، وخاصة أولئك الذين لا يزالون يعيشون تحت سيطرة ما يسمى بـ"الحكومة الشرعية".