مع محاولات السوريين بإدارتهم الجديدة إرساء دعائم الاستقرار في البلاد وتوحيدها والنهوض بالاقتصاد المدمر جراء سنوات من النزاع المسلح، تستمر إسرائيل بالإعتداء على الأراضي السورية وتقوم بالقصف شبه اليومي لمناطق مختلفة إضافة إلى التوغلات البرية للجيش الإسرائيلي على حدود سوريا الجنوبية، مما يزعزع الإستقرار ويعطل مسار بناء الدولة الجديدة.
فقد شهدت سوريا في الفترة الأخيرة ومنذ اليوم الأول من سقوط نظام الأسد في أواخر العام الماضي تصاعداً في الضربات الجوية الإسرائيلية، والتي دمرت كل المقدرات الإستراتيجية للجيش السوري السابق، من أنظمة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى والمطارات بطائراتها ومعامل الدفاع ومقرات البحوث العلمية والأسطول البحري. فيما وسّع الجيش الإسرائيلي مناطق سيطرته في مرتفعات الجولان جنوب سوريا، بعد احتلاله الجانب الشرقي من جبل الشيخ والذي يشرف من أعلى قمته على لبنان وفلسطين والأردن وسوريا، كما دخل عدة بلدات في الجنوب السوري على الحدود، ودمر البنى التحتية والمرافق العسكرية، لتبلغ المساحة التي سيطر عليها بعد سقوط نظام الأسد المخلوع 600 كم2، بنسبة تصل إلى 1٪ من مساحة البلاد.
وفي آخر إعتداءات العدو الإسرائيلي، استشهد 7 سوريين وأصيب آخرون جراء قصف إسرائيلي مكثف على بلدة كويا في ريف درعا الغربي. بدأت القصة عندما تصدى شبان من أهالي قرية كويا لدوريات إسرائيلية قامت بمحاولة التوغل داخل القرية، الواقعة في منطقة إستراتيجية على مثلث الحدود الأردنية السورية والجولان المحتل. وأفاد ناشطون من المنطقة أن الأهالي رفضوا السماح للدوريات بالدخول، مما أدى إلى اندلاع اشتباك انتهى بانسحاب القوات الإسرائيلية باتجاه أطراف البلدة، أعقبه قصف عنيف. وانتشرت مقاطع فيديو تظهر عمليات إسعاف الجرحى وسط حالة من الهلع والفوضى، كما تضمنت المقاطع أيضا مشاهد نزوح أهالي البلدة بسبب القصف الإسرائيلي.
من جانبها، استنكرت وزارة الخارجية والمغتربين السورية، العدوان الإسرائيلي المستمر على الأراضي السورية. كما جددت السعودية رفضها لأي محاولة إسرائيلية من شأنها "تقويض" الأمن والاستقرار في سوريا، فيما دعا مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسون في مجلس الأمن إلى انسحاب إسرائيل من المنطقة العازلة. وأدانت عدد من الدول خلال جلسة مجلس الأمن التي عقدت في مقر الأمم المتحدة في نيويورك إسرائيل بالأمس، وأكد رئيس البعثة الأردنية محمود الحمود أن عمان تدين الاعتداءات الإسرائيلية، كما طالب الحمود إسرائيل "بالانسحاب من كل الأراضي السورية التي احتلتها مؤخرا"، ووقف الاستفزازات. من جهته دعا مندوب فرنسا في مجلس الأمن، نيكولا دي ريفيير، إسرائيل إلى احترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها والانسحاب إلى منطقة فض الاشتباك. كما أكد المندوب الصيني في مجلس الأمن، تشانغ جون، إدانة بلاده للغارات الإسرائيلية على سوريا، مطالبا إسرائيل بالانسحاب من الأراضي السورية دون تأخير.
بدوره، أعرب دميتري بوليانسكي نائب مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة، خلال الجلسة ذاتها، عن إدانة موسكو للضربات التي يشنها الجيش الإسرائيلي، والتي أسفرت عن مقتل وإصابة أكثر من 20 شخصا خلال الأيام الأخيرة. وأضاف: "أعلنت القيادة السورية الجديدة مرارا عن استعدادها لبناء علاقات سلمية مع جميع جيرانها دون استثناء. وتعمل إسرائيل بأفعالها على شطب هذا الموقف وتعزيز أصوات القوى المتطرفة داخل سوريا، ولن يؤدي هذا النهج إلى تعزيز أمن إسرائيل على المدى الطويل".
وبنظر الخبراء في الشؤون الشرق أوسطية إلى أن الولايات المتحدة باعتبارها الداعم الأهم لإسرائيل ولسياسة بنيامين نتنياهو في الشرق الأوسط، فإن روسيا على العكس، يهمها الإستقرار في سوريا ويمكنها لعب دور فعال في كبح جماح إسرائيل في عدوانها وتوسعها المستمر على الأراضي السورية. حيث ما زالت القوات الأمريكية الموجودة في الشمال الشرقي من سوريا تنهب النفط السوري، وتدعم الإدارة الذاتية هناك سياسياً وعسكرياً بحجة مواجهة تنظيم داعش، في ضربة واضحة لوحدة سوريا، وضغط مباشر على الأتراك الذين يعتبرون وحدات حماية الشعب الكردية المسيطرة على هذه الإدارة الذاتية عدواً مهدداً لأمنها القومي. فيما تسعى مختلف الأطراف الفاعلة للعب دور بناء في البلاد عبر خطوات واضحة وملموسة.
ويرى الخبير والمحلل السياسي غسان العمري أن العلاقة الثنائية الجيدة بين سوريا وعدد من الدول بما فيها تركيا وروسيا يمكن أن تحقق مكاسب كبيرة للسوريين، كما لجميع الدول المجاورة لها. وأشار إلى أن التعاون الدولي يمكن أن يوفر موقفاً تفاوضياً متوازناً ينصف سوريا ويحافظ على الاستقرار الإقليمي.
يُشار إلى أن وكالة رويترز أفادت فيما سبق نقلا عن مصادر مطلعة بأن إسرائيل تضغط على الولايات المتحدة لإبقاء سوريا ضعيفة وبلا قوة مركزية، وأنها تعتبر الحكومة الجديدة في دمشق "تهديدا خطيرا" وأن القوات السورية قد تهاجم إسرائيل ذات يوم. فيما يعكس استمرار إسرائيل تنفيذ تقدمها البري داخل الأراضي السورية أسباب أمنية تتمثل في إقامة طوق أمني لمستوطناتها التي أعلنت عن إنشائها في الجولان