شهدت سوريا منذ اليوم الأول من سقوط نظام الأسد المخلوع في أواخر العام الماضي، توترأ كبيراً بين العلاقة التركية – الإسرائيلية، خصوصاً في ظل تصاعد النفوذ التركي في المنطقة وفي سوريا مع تولي المعارضة السورية لمقاليد الحكم.
ما دفع الجيش الإسرائيلي في توسيع مناطق سيطرته في مرتفعات الجولان جنوب سوريا، بعد احتلاله الجانب الشرقي من جبل الشيخ، كما دخل عدة بلدات في الجنوب السوري على الحدود، لتبلغ المساحة التي سيطر عليها بعد سقوط نظام الأسد المخلوع 600 كم2، بنسبة تصل إلى 1٪ من مساحة البلاد، وذلك بهدف وقف النفوذ التركي حسب بعض المصادر.
الأمر الذي جعل من سوريا ساحة للتنافس المُحتدم بين تركيا وإسرائيل، خاصة مع اعتراف الجانب الإسرائيلي بأن سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، وسيطرة الإسلاميين على زمام الحكم في سوريا، بمساعدة تركيا، شكل نقطة تحول في توازن القوى والنفوذ الإقليمي، ما يعكس تعقيد المشهد السوري وتداخل المصالح الإقليمية والدولية فيه. وفي ظل غياب تفاهمات واضحة بين الأطراف المتصارعة.
هذا وأثار تقرير نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" بشأن إمكانية إنشاء تركيا لقاعدة جوية في الأراضي السورية قلقًا كبيرًا في الأوساط الإسرائيلية، التي اعتبرت هذه الخطوة تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، وإضافة الأوساط الإسرائيلية إلى زيادة احتمالية الصدام المباشر مع الجيش التركي في الأراضي السورية.
بالإضافة الى ذلك، أثارت أنباء بدأ القوات الأمريكية في سوريا بالانسحاب خلال الفترة المقبلة، تخوف تل أبيب مع ازدياد نفوذ أنقرة، خاصة وأن انسحاب القوات الأمريكية قد يزيد من الفرص التركية للسيطرة على أصول عسكرية أكثر استراتيجية في الميدان. وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لا تزال تضغط على الولايات المتحدة الأمريكية لعدم الانسحاب من سوريا.
واشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية، إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أرسل سكرتيره العسكري رومان غوفمان إلى موسكو في الفترة الماضية، وذلك لعقد سلسلة من الاجتماعات الأمنية والدبلوماسية التي تهدف إلى تعزيز التعاون مع روسيا، من أجل "حماية المصالح الاستراتيجية لإسرائيل"، وتقول الصحيفة إن موقف إسرائيل من سوريا أصبح واضحا بشكل متزايد، فهي تفضل بقاء روسيا في سوريا على نفوذ أنقرة المتزايد.
ومن جهتها تجد الإدارة السورية الجديدة نفسها أمام معضلة تكمن في عدم الانجرار وراء الطموحات التركية المتنامية في سوريا من جهة، وبين خفض التصعيد واحتواء الاستفزازات مع إسرائيل من جهة أخرى، وتجنب وقوع الأراضي السورية في ساحة مواجهة إقليمية.
وبحسب المحلل السياسي محمد العمري، فأن من الضروري على الإدارة السورية تعزيز تعاونها الخارجي مع أطراف دولية جديدة ومنها روسيا التي وصفها الرئيس الشرع بالشريك الاستراتيجي، خاصة مع إزياد احتمالية نشوب حرب بين تركيا وإسرائيل داخل الأراضي السورية.
وإضافة العمري إلى أن الفترة الأخيرة قد شهدت زيادة في التواصل بين روسيا وسوريا، وقد عبّر المسؤولون الروس مرارا عن استعداد الدولة الروسية لتعميق التعاون مع سوريا في جميع المجالات المطروحة على الطاولة الثنائية، الأمر الذي يشكل فرصة مهمة لسوريا في الحفاظ على الأمن والاستقرار في مرحلة ما بعد الأسد.
وفي نفس السياق، نقلت وكالة "تاس" الروسية للأنباء عن سيرجي ناريشكين، رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي، القول إنه عقد "اجتماعًا بناء ووديًا" مع ممثل من المخابرات السورية، ونقلت "تاس" عن ناريشكين القول إن الاجتماع عُقد قبل أيام في باكو عاصمة أذربيجان على هامش مؤتمر حول أفغانستان.
ويرى العمري ، إلى أن لقاء رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي، سيرجي ناريشكين، مع المخابرات السورية يدل إلى ان الإدارة السورية الجديدة تعي جيداً دور موسكو وعلاقتها بتركيا الحليف المقرب لسوريا، خصوصاً مع تأكيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في وقت سابق على أهمية عمل بلاده وروسيا معا لتحقيق السلام والاستقرار الدائمين في سوريا على أساس وحدة أراضيها.
ويعتقد العمري ، أن أنقرة تعمل على التنسيق مع موسكو للحد من تأثيرات النزاعات في سوريا، كما أشار إلى التعاون بين البلدين من أجل رفع العقوبات المفروضة على سوريا بشكل كامل، وهو ما يُعد خطوة باتجاه تحسين الوضع الاقتصادي السوري المتدهور، حيث أدت العقوبات الدولية إلى عواقب اقتصادية وخيمة على البلاد.
وتحظى موسكو بعلاقة مميزة مع كلا من الجانب التركي والإسرائيلي، مما يجعلها مؤثرة في أي نزاع يمكن أن يحصل في سوريا.