محاولات أوروبية غير قانونية لإعادة اللاجئين السوريين الى وطنهم

بعد سنوات  من الصراع الدامي في سوريا، وسقوط نظام بشار الأسد في أواخر العام الماضي، تبقى هناك تساؤلات حول مصير اللاجئين السوريين الذين فروا إلى أوروبا هرباً من الحرب والاضطهاد طوال عقد من الزمن. فبعد أن كانت أوروبا ملاذاً آمناً لهم، بدأت تطفو على السطح نقاشات حول إمكانية إعادتهم إلى وطنهم.

وبحسب بيانات الأمم المتحدة، أجبرت الحرب السورية أكثر من 13 مليون سوري على النزوح الداخلي والهجرة إلى دول الجوار وبقية دول العالم، وكانت وجهة شريحة واسعة من السوريين دولا أوروبية، حيث تعد ألمانيا الوجهة الأكثر استقطابا لهم، وقُدر عددهم في هذا البلد بنهاية أكتوبر/تشرين الأول 2024 بنحو 974 ألف.

من ناحية، يعتبر سقوط النظام خطوة نحو استقرار محتمل في سوريا، مما يفتح الباب أمام عودة اللاجئين طوعياً. إلا أن الواقع على الأرض لا يزال معقداً، حيث إن البنية التحتية المدمرة والانقسامات السياسية والاجتماعية تشكل تحديات كبيرة لإعادة الإعمار وإعادة دمج النازحين. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال العديد من السوريين يشعرون بعدم الأمان بسبب وجود فصائل مسلحة ومناطق غير مستقرة.
ناهيك عن أن الإشتباكات المسلحة لا تزال متواصلة في مناطق الشمال السوري بين فصائل مسلحة مدعومة من تركيا، وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" والتي أدت الى سقوط الكثير من المدنيين قتلى خصوصاً في ظل تكرر انفجارات لسيارات مفخخة مجهولة المصدر في مناطق مدنية في منبج شرق مدينة حلب.

من ناحية أخرى، بدأت بعض الحكومات الأوروبية تطرح فكرة إعادة اللاجئين إلى سوريا، مستشهدة بتحسن الوضع الأمني النسبي في بعض المناطق. إلا أن هذه النداءات تثير جدلاً واسعاً، حيث تعتبر منظمات حقوق الإنسان أن العودة القسرية غير أخلاقية وغير قانونية في ظل عدم توفر ضمانات كافية لحماية حقوق العائدين.
كما أن عودة اللاجئين تتطلب ضمانات أمنية واقتصادية وسياسية قوية، غير موجودة في الوقت الراهن. ويتوجب على المجتمع الدولي، بما في ذلك الحكومات الأوروبية، العمل على دعم عملية إعادة الإعمار وضمان عودة آمنة وطوعية للاجئين، بدلاً من التسرع في إعادتهم إلى واقع لا يزال محفوفاً بالمخاطر.

وهذه العملية تتطلب رفع العقوبات التي كانت مفروضة على النظام السابق بسبب جرائمه. إلا أن الدول الغربية باتت تربط هذا الملف، بمجموعة جديدة من الشروط التي تخدم مصالحها في سوريا، بدلاً من رفعها بشكل آني. وسبق وأن أكد وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال السورية، "أسعد حسن الشيباني"، أن رفع العقوبات يعد مفتاح الاستقرار في بلاده.

فقد وافق الاتحاد الأوروبي بالأمس على تعليق جزئي للعقوبات المفروضة على صناعة الطاقة السورية، بما في ذلك إلغاء الحظر على استيراد النفط الخام وتصدير التكنولوجيات المتعلقة بصناعة النفط والغاز. كما أعلن التكتل الأوروبي عن إنهاء القيود المفروضة على تمويل استكشاف النفط وتكريره، بالإضافة إلى بناء محطات طاقة جديدة في سوريا.

جاءت هذه الخطوة في إطار جهود الاتحاد الأوروبي لتسهيل التعامل مع سوريا في مجالات الطاقة والنقل وإعادة الإعمار، وفقاً لبيان صادر عن وزراء خارجية التكتل. وأشار البيان إلى أن الهدف من هذه الإجراءات هو دعم الشعب السوري وتمكين الشركات من العمل في هذه القطاعات الحيوية، بالإضافة إلى تسهيل المعاملات المالية والمصرفية المرتبطة بها.

وبحسب المراقبين، فإن الرفع الجزئي للعقوبات عن سوريا أتى لذر الرماد في العيون، فهو محاولة يائسة من الأوروبيين لإعادة اللاجئين السوريين قسراً الى بلادهم. حيث ستتداول الدول المعنية قضية رفع العقوبات الجزئي كضمانة لرفعها بشكل كلي فيما بعد، مما يشكل لها ذريعة لإعادة السوريين الى وطنهم دون ضمانات حقيقية بعدم تعرضهم للمشاكل الآنف ذكرها.

خصوصاً وأن آلاف طلبات اللجوء لسوريين في أوروبا قد تم تعليقها فور سقوط نظام الأسد، وبحسب قناة "سي إن إن بالعربية"، فإن من بين هذه الدول ألمانيا، والنمسا، والنرويج، وإيطاليا، وهولندا، وبريطانيا.

وفي السياق، قالت وزيرة الداخلية الألمانية "نانسي فيزر" إن بعض السوريين الذين نزحوا إلى ألمانيا، وعددهم يقترب من المليون، قد يتعين عليهم العودة إلى وطنهم في ظل ظروف معينة. وأضافت لمجموعة "فونكه" الإعلامية الألمانية، "وفق ما ينص عليه قانوننا، سيقوم المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين بمراجعة وإلغاء منح الحماية، إذ لم يعد الأشخاص بحاجة إلى هذه الحماية في ألمانيا بسبب استقرار الوضع في سوريا".

كما تواجه دعوات وجهتها العديد من الأحزاب اليمينة في أوروبا لإعادة اللاجئين قسراً اعتراضاً من قبل هيئات ومنظمات دولية وأممية، والتي عدت هذه الدعوات بأنها تمثل خرقاً لحقوق اللاجئين وقد تتسبب بمفاقمة حالة انعدام الاستقرار في الدول الأصلية.

حيث سبق وأن قالت زعيمة حزب "البديل من أجل ألمانيا" أليس فايدل إنّه "من الواضح أن أي شخص يحتفل بسوريا الحرة ليس لديه سبب للفرار ويجب أن يعود إليها على الفور". وفي فيينا، سلّط مستشار النمسا "كارل نيهامر" الضوء على إعادة تقييم الوضع الأمني في سوريا لجعل عمليات الطرد ممكنة في المستقبل، فيما أعلن وزير الداخلية "غيرهارد كارنر" عن "برنامج إعادة وطرد إلى سوريا" للمواطنين الذين حصلوا بالفعل على اللجوء.

من جهة أخرى، وفي محاولة من الأوروبيين التشجيع على العودة، أعلنت حكومة النمسا أنها ستقدم للاجئين السوريين فى البلاد "مكافأة عودة" قدرها 1000 يورو للعودة إلى سوريا، إذ يشكّل السوريون أكبر مجموعة من طالبي اللجوء في النمسا، وهذا ما يعرض الحكومة لضغوط من اليمين المتطرف لاتخاذ موقف أكثر صرامة بشأن الهجرة.

وفي ذات الاتجاه كشف وزير الاندماج والهجرة الدنماركي، كاري ديوبفاد، إن الدنمارك ستقدم للاجئين من سوريا ما يصل إلى 25 ألف يورو مقابل العودة إلى وطنهم، قائلاً: "بالنسبة لأولئك الذين يريدون العودة إلى وطنهم، نمنح نحو 20 إلى 25 ألف يورو حتى يتمكنوا من العودة". بينما في ألمانيا بدأت الأحزاب اليمينية بالضغط على الحكومة لإعداد برامج عودة للاجئين السوريين، حيث اقترح النائب عن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي ينس سبان "استئجار طائرات" و"منح مكافأة" لأولئك الذين يرغبون في العودة إلى سوريا.

و وفق المراقبين، فإن عودة السوريين الى بلادهم مسألة طبيعية في حال توافرت لهم فرص العيش الكريم والآمن، وهو الذي ما يزال غير مؤمناً في الوقت الحالي. وإصرار الدول الأوروبية على مسألة إعادة السوريين خير دليل على عدم إنسانيتهم وإستغلالهم للشعوب الأخرى. فالكثير من اللاجئين السابقين الذين عادوا من لبنان أو تركيا الى سوريا قد ندموا على قرارهم بالعودة، حيث لا يوجد كهرباء في مناطقهم القديمة، ولا حتى مدارس لأطفالهم.

د . محمد صادق

 كاتب و باحث في شؤون الشرق الأوسط والعلاقات الدولية