القواعد الروسية في سورية وأثرها في صراع النفوذ بين تركيا وإسرائيل

شهدت سوريا منذ تولي المعارضة السورية مقاليد الحكم فيها توافد الوفود الفنية التابعة لوزارة الدفاع التركية إلى العاصمة دمشق، ضمن المشروع التركي الهادف لتطوير القدرات الدفاعية السورية. وتعتبر تركيا من أبرز الداعمين للإدارة السورية الجديدة.

خلال الفترة الماضية، لم تنقطع التقارير التي تفيد بنية تركيا إقامة قواعد عسكرية في سوريا مقابل دعم اقتصادي وعسكري لدمشق، لا سيما مع اتضاح المسار العسكري الجديد بين تركيا وسوريا، حيث عينت وزارة الدفاع التركية ملحقاً عسكرياً لها في دمشق، اضافة إلى الحديث عن نيتها تعيين ضباط أتراك لتقديم الاستشارات العسكرية، وفق وسائل الإعلام.

وفي ظل زيادة النفوذ التركي في المنطقة، أكدت بعض المصادر الإسرائيلية أن إسرائيل تشعر حالياً بقلق بالغ إزاء الدور الذي تلعبه تركيا بصفتها حليفاً مقرباً من الإدارة الجديدة في سوريا، خاصة مع الأنباء عن محاولة النظام السوري الجديد ترميم قواعد عسكرية وتعزيز القدرات الجوية والدفاعية في الجنوب قرب إسرائيل. 

وأشارت التقارير إلى أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عقدت عدة مشاورات الأسبوع الماضي لبحث التطورات في سوريا، بما يشمل احتمالية الصدام العسكري مع الجيش التركي في الأراضي السورية.

من جهتها، ذكرت القناة الـ12 الإسرائيلية أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يحاول تصوير وقوع تلك المواجهة بأنها أمر لا مفر منه، لا سيما وأن نتنياهو أكد أن إسرائيل لن تتهاون مع وجود الإدارة السورية الجديدة، معتبراً الحكومة الجديدة في سوريا "تهديداً خطيراً"، ولافتاً إلى أن دمشق "قد تهاجمها" ذات يوم.

تجدر الإشارة إلى أن العلاقات التركية - الإسرائيلية تشهد توتراً كبيراً منذ بداية العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة في أكتوبر 2023. 

وقد أدانت تركيا بشدة أفعال وتصرفات تل أبيب، متهمة إياها بارتكاب مذابح بحق المدنيين الفلسطينيين، كما دعت مراراً وتكراراً إلى وقف إطلاق النار وممارسة ضغوط كبيرة على تل أبيب.

وذكرت وكالة "رويترز" أن إسرائيل تعمل على مواجهة النفوذ التركي المتزايد في سوريا عبر الضغط على الولايات المتحدة لإبقائها ضعيفة ولامركزية. 

وأبلغ المسؤولون الإسرائيليون واشنطن أن الإدارة السورية الجديدة التي أطاحت بالديكتاتور السوري بشار الأسد، سوف تشكل تهديداً لحدود إسرائيل إذا دعمتها تركيا.

ووصف وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، الإدارة الجديدة في سوريا بأنها "جماعة إرهابية" استولت على دمشق بالقوة، مشيراً إلى تجدد التوترات مع تركيا والرئيس رجب طيب أردوغان على خلفية دعم الحكومة السورية الجديدة والإدانات الصادرة ضد الأنشطة العسكرية الإسرائيلية في سوريا. وقال: "تركيا بقيادة أردوغان تكشف عن خط عدائي واستفزازي تجاه دولة إسرائيل".

واعتبر وزير خارجية كيان الاحتلال الإسرائيلي، جدعون ساعر، أن وجود ما وصفها بـ"الجماعات الإسلامية" على الحدود سيكون أمراً بالغ الخطورة على إسرائيل، مؤكداً أن إسرائيل لن تسمح بتكرار هجوم مشابه لهجوم 7 أكتوبر الذي نفذته حركة حماس عام 2023 على مناطق غلاف غزة. وصرح ساعر بأن مصلحة إسرائيل تقتضي أن تكون الحدود مع سوريا هادئة ومستقرة.

وبحسب "رويترز"، تحاول إسرائيل احتواء أنقرة عبر إقناع المسؤولين الأميركيين بضرورة احتفاظ روسيا بقاعدتها البحرية في محافظة طرطوس السورية على البحر المتوسط وقاعدتها الجوية في حميميم في محافظة اللاذقية، حيث تعتبر اسرائيل استمرار وجود روسيا في سوريا أمراً ضرورياً، خاصة وأن موسكو تحظى بعلاقات جيدة مع كل من تركيا وإسرائيل.

وتجري القيادة السورية الجديدة محادثات مع روسيا بشأن مصير القواعد العسكرية، وكشف موقع "بلومبيرغ" نقلاً عن مصادر مطلعة أنه من المحتمل أن تحتفظ روسيا بوجود عسكري محدود في سوريا، مما يسمح لها بالاحتفاظ بعدد من الموظفين والمعدات في البلاد.

الخبير الاستراتيجي والمهتم بالشأن الداخلي السوري، تركي اليوسف، يرى أن هناك توترات قائمة بين أنقرة وتل أبيب، وهي توترات تاريخية لا تخفى عن أحد، لكن ومع تطور المشهد السياسي في سوريا انتقلت هذه التوترات إلى الأراضي السورية، وزادت احتمالية نشوب حرب بين تركيا وإسرائيل داخل الأراضي السورية.

وأضاف اليوسف أن من الضروري إدارة التوازن العسكري في سورية حفاظاً على السيادة السورية ومنعاً لأي اشتباكات مسلحة بين القوى المتصارعة هناك، من خلال البحث على التقاربات بين وجهات النظر للقوى المؤثرة في سورية.

ووسط كل ذلك، يرى مراقبون أنه لا بد من الحفاظ على التوازن في المصالح والعلاقات الاستراتيجية المرتبطة بسوريا، بما يضمن صون السيادة الوطنية ويمنع تحول الأراضي السورية إلى ساحة للصراعات الإقليمية أو الدولية، التي قد تُستخدم لحساب طرف على حساب آخر.

د . محمد صادق

 كاتب و باحث في شؤون الشرق الأوسط والعلاقات الدولية