في خطابه الأخير، قدم الرئيس السوري أحمد الشرع رؤية واضحة لمجريات الأحداث الأمنية في الساحل السوري، مؤكدًا أن البلاد تواجه مؤامرة تهدف إلى زعزعة الاستقرار عبر فلول النظام السابق، بدعم خارجي يسعى لتفجير الوضع الداخلي وجر البلاد نحو حرب أهلية. في هذا المقال، سنحلل مضمون خطاب الشرع، الخطوات العملية التي أعلنتها الحكومة، والتحديات التي تواجهها على المستويين الأمني والإقليمي.
خطاب دولة مسؤولة
يتميز خطاب الرئيس أحمد الشرع بسمات قيادية واضحة، إذ لا يكتفي بمخاطبة الشعب بعبارات إنشائية، بل يقدم تحليلًا دقيقًا للأزمة، يحدد المسؤولين عنها، ويوضح الإجراءات التي تتخذها الحكومة. بهذا الأسلوب، يرسخ الشرع صورة رجل الدولة القادر على إدارة الأزمات بحكمة، في مواجهة قوى تحاول إشعال الفوضى.
1. تحديد العدو: فلول النظام السابق والدعم الخارجي
يشير الشرع إلى أن ما يحدث في الساحل السوري ليس مجرد اضطرابات داخلية، بل هو محاولة منظمة من قبل بقايا النظام السابق، مدعومة بجهات خارجية تسعى إلى تفكيك البلاد وإدخالها في دوامة العنف. هذه الرواية تشبه في مضمونها ما قدمته دول أخرى في المنطقة عند مواجهتها لحركات تمرد مدعومة من الخارج، حيث تُستخدم نغمة "التدخل الأجنبي" لتبرير اتخاذ إجراءات أمنية حازمة.
2. موقف صارم ضد المتمردين والمتورطين
أكد الرئيس الشرع في خطابه أن حكومته لن تتسامح مع أي طرف تورط في سفك دماء المدنيين أو استهداف مؤسسات الدولة، سواء كان من فلول النظام السابق أو من العناصر التي تستغل الفوضى لتحقيق مكاسب شخصية. هذا الخطاب يعكس نية الحكومة فرض سيادة القانون، وطمأنة الشعب بأن المرحلة القادمة لن تشهد إفلاتًا من العقاب لمن أجرم بحق الدولة والمجتمع.
الإجراءات الحكومية: خطط عملية لحسم الأزمة
لم يكتفِ الشرع بتوصيف الأزمة، بل قدم خارطة طريق تتضمن إجراءات ملموسة تهدف إلى إعادة الاستقرار واحتواء الفوضى الأمنية في الساحل.
1. تشكيل لجنة لتقصي الحقائق
إعلان الحكومة تشكيل لجنة تحقيق مستقلة للأحداث الأخيرة في الساحل خطوة مهمة، تهدف إلى توفير سردية رسمية مدعومة بالأدلة حول الفاعلين والمتورطين. كما أنها ترسل رسالة للمجتمع الدولي بأن الحكومة السورية تتعامل بشفافية مع الأحداث، وهو عنصر ضروري لمواجهة أي اتهامات خارجية بانتهاك حقوق الإنسان.
2. تشكيل لجنة عليا لحماية السلم الأهلي
هذه اللجنة سيكون لها دور أساسي في تهدئة التوترات الاجتماعية، ومنع أي انزلاق نحو نزاع طائفي أو مناطقي، خاصة أن الساحل السوري منطقة حساسة تاريخيًا. مثل هذه المبادرات تعكس فهم الحكومة لأهمية العمل على المستويين الأمني والاجتماعي بالتوازي، لتجنب تفاقم الأزمة.
3. الحسم العسكري واستكمال السيطرة على مدن الساحل
تحركات الأمن العام بالتعاون مع الجيش، تؤكد أن الحكومة جادة في استكمال السيطرة على المدن المتوترة، ومنع أي محاولات جديدة لإشعال الفوضى. العمليات الأمنية الجارية تعكس سياسة "الضرب بيد من حديد"، وهو ما قد يكون ضروريًا في مثل هذه الظروف، خاصة أن الفوضى المسلحة يمكن أن تتوسع بسرعة إن لم يتم احتواؤها.
المواقف الإقليمية: ترقب وحذر
يأتي خطاب الشرع في ظل متابعة دقيقة من الدول المجاورة، التي تتفاوت مواقفها بين الدعم الحذر والقلق من امتداد الاضطرابات إلى أراضيها.
1. لبنان: يراقب التطورات بقلق، خاصة مع وجود ارتباطات اجتماعية ومذهبية بين الساحل السوري وبعض الفئات اللبنانية، مما قد يؤدي إلى تداعيات داخلية.
2. العراق: يدعم استقرار سوريا ويشدد على أهمية منع تسلل المقاتلين عبر الحدود، في ظل تجربة بغداد المريرة مع الفوضى الأمنية.
3. تركيا: رغم خلافاتها مع دمشق، فإنها لا تريد تصعيدًا يؤدي إلى موجة لجوء جديدة أو تهديدات على حدودها.
يبدو أن الرئيس أحمد الشرع يدرك خطورة المرحلة، ويتعامل معها بخليط من الحزم الأمني والتواصل السياسي، وهو نهج مطلوب لاحتواء أي تمرد أو اضطراب داخلي. لكن نجاحه يعتمد على قدرة الدولة على تنفيذ وعودها بسرعة، وعدم السماح بتمدد الأزمة إلى مناطق أخرى. الأيام المقبلة ستكون حاسمة، حيث ستحدد نتائج العمليات الأمنية وقرارات الحكومة ما إذا كان هذا المسار سيؤدي إلى استقرار حقيقي، أم أنه مجرد خطوة أولى في صراع طويل الأمد.