معارضو السلطة في سوريا وغياب الرؤيا السياسية

تشهد الساحة السياسية السورية جدلاً واسعاً حول طبيعة المعارضة للرئيس أحمد الشرع، وهويتها، وأهدافها.

وبالنظر إلى المشهد العام وما يصدر عن هذه الفئة، يبرز تساؤل مهم حول مدى قدرتها على التحول من مجرد "مناكفة" إلى قوة سياسية فاعلة وواعية.


من هم "معارضو" السلطة وماذا يريدون؟

إن صفة "المعارضين للسلطة" لا تشير بالضرورة إلى كيان موحد ومنضبط، بل هي مجموعة واسعة من الأصوات والتنظيمات والشخصيات التي تتفق على رفض الوضع القائم في دمشق. يمكن تصنيف هؤلاء بشكل عام إلى:

الشخصيات والناشطون الأفراد: وهي أصوات تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي والمنابر الإعلامية.

التنظيمات والائتلافات التقليدية: وهي الهياكل التي تشكلت في سياقات سابقة، وغالباً ما تتخذ من الخارج مقراً لها.

 المثقفون والكتاب: الذين ينتقدون الأداء السياسي والاقتصادي والاجتماعي للسلطة.

أما ماذا يريدون؟ فالهدف المعلن والمشترك هو التغيير السياسي الشامل أو الجزئي في سورية. لكن المشكلة تكمن في تفاصيل هذا الهدف، وفي غياب الرؤية الموحدة والواقعية لتحقيقه.


أزمة الثقة: الفشل في كسب الشارع وخطاب الطائفية

إن الإخفاق الأبرز لرموز ومؤسسات المعارضة السورية على مدى الـ 14 عاماً الماضية هو فشلها الذريع في كسب ثقة السواد الأعظم من الشرائح السورية، تلك التي كانت تواجه بشكل مباشر القتل والطغيان والاستبداد والاخفاء القسري . ويكمن جوهر هذا الفشل في طبيعة الخطاب السياسي الذي اتبعوه:


 الخيار الخاطئ في اختيار ركائز الخطاب، حيث لجأ البعض إلى استخدام "الأوراق الذهبية" في الصراع السياسي، كالتركيز على الطائفية ومظلومية الأقليات، ظناً منهم أن ذلك سيضمن الدعم الخارجي أو يكسبهم جمهوراً محدداً. هذا التوجه أدى إلى تنفير الشرائح السورية التي تتوق إلى خطاب وطني جامع غير طائفي.


إغفال معاناة السوريين تحت حكم الأسد: من أكثر الأمور استفزازاً للجمهور السوري هو إغفال ذكر أو تهميش معاناة السوريين الحقيقية تحت حكم نظام الأسد ومجازره المتكررة.


هذا الإهمال يرسخ الانطباع بأن المعارضة منفصلة عن آلام الناس، وأن أجندتها مرتبطة بالخارج أو بمصالح ضيقة، مما أدى إلى فقدان المصداقية وإضعاف القاعدة الشعبية.


وبالنظر إلى وقائع ما يظهر على الساحة هي أن المعارضين يفتقرون إلى خطة موحدة ومنضبطة، وما يصدر عنهم لا يعدو كونه شغباً وقتياً وافتقاداً للحس السياسي: حيث يظهر الكلام في بعض الأحيان سخيفاً ومستفزاً، أو خيالياً وليس معقولاً. وهذا يؤدي إلى وصول الرسالة ناقصة وفاقدة لقيمتها، ويحرم المعارضة من أهم أهداف العمل السياسي: مخاطبة الجمهور والتأثير فيه وكسبه.


هواجس التمويل: هناك رأي مهني واضح يشير إلى أن الفشل لا يتعلق فقط بالرؤية، بل قد يصل إلى حد التنازع على تقاسم التمويل، وهو ما يثبت عدم صلاحية البعض لإدارة منظمة صغيرة فاعلة، فكيف بدولة.


 قضية الإساءة الشخصية: تدمير المساحة الإعلامية

في سياق النقد السياسي، فإن استخدام لغة الشتائم والإساءة الشخصية، بدلاً من الدفوعات المنطقية، يعني خسارة المساحة الإعلامية التي يمكن استخدامها للدفاع عن قضايا محقة. هذا السلوك لا يضر فقط بمصداقية المتحدث، بل قد يتسبب في انصراف الجهات الإعلامية عن استقبال ضيوف يستخدمون شاشاتها لتمرير عبارات مسيئة، مما يغلق الأبواب أمام صوت المعارضة بشكل عام.


وبشكل عام ، يواجه "معارضو" السلطة في سورية تحدياً وجودياً: إما الارتقاء بأسلوبهم إلى مستوى العمل السياسي الواعي والمنضبط، وتقديم بديل واقعي ومنطقي للجمهور، أو الاستمرار في الشغَب العاطفي والمنفعل، ليظلوا بذلك مجرد أصوات ضائعة في عالم "ماتت فيه السياسة" وتوقفت الشعوب عن الاهتمام بها، مع التأكيد على أن فشل السلطة، إن حدث، لن يكون دعوة لهؤلاء لـ"إصلاح الأمور" لافتقارهم إلى الكفاءة والخطة والتأييد.