تعيش المنطقة مرحلة شديدة الحساسية نتيجة التصعيد غير المسبوق بين إيران وإسرائيل، والذي انتقل من حالة الاشتباك غير المباشر إلى مواجهة مباشرة، بدأت بصواريخ وطائرات مسيّرة إيرانية طالت العمق الإسرائيلي، وردود فعل إسرائيلية لم تعد كافية لردع طهران. هذا التحول النوعي في استراتيجية إيران من "القصف المكثف والعشوائي" إلى "القصف المركز والدقيق" يشير إلى أن طهران باتت قادرة على امتصاص الضربات، وفي الوقت ذاته توجيه ضربات محسوبة داخل الأراضي المحتلة.
اللافت في تطور هذا الصراع أن إيران باتت تراهن على عامل الزمن، في ظل إدراكها لحجم الاستنزاف الذي قد تتعرض له إسرائيل إذا استمرت المواجهة دون حسم. التقارير تشير إلى تزايد مظاهر القلق داخل المجتمع الإسرائيلي، بدءًا من بوادر الهجرة العكسية، وانتهاءً بالتململ الشعبي من استمرار الحرب وعدم تحقيق نتائج حاسمة.
من جهة أخرى، يُعدّ البرنامج النووي الإيراني محورًا أساسيًا في هذا التصعيد. فمحاولات إسرائيل المتكررة لتقويض القدرات النووية الإيرانية، على غرار ما حدث في العراق وسوريا وليبيا سابقًا، لم تحقق الهدف المنشود، بسبب الحصانة الكبيرة التي يتمتع بها مفاعل "فوردو" النووي، المُقام في أعماق الأرض. وحتى مع وجود القاذفة الأمريكية المتطورة B-2، المزودة بقنابل خارقة للتحصينات، فإن احتمالية تدميره بالكامل تبقى موضع شك.
في الولايات المتحدة، يحتدم الجدل بين تيارين داخل أروقة القرار:
تيار "الحمائم" الذي يرى أن أي تدخل عسكري ضد إيران دون مبرر واضح سيكون مكلفًا على الصعيد العسكري والسياسي، وسيعرّض القوات الأمريكية والقواعد المنتشرة في الخليج وحلفاء واشنطن في المنطقة لخطر الاستهداف.
تيار "الصقور" الذي يعتبر أن هذا التوقيت قد يمثل فرصة نادرة لتوجيه ضربة قاصمة لطهران، في ظل انشغالها بعدة جبهات وارتباطها الوثيق بحركات مسلحة في المنطقة.
أما على الصعيد الأوروبي، فالموقف لا يزال مترددًا، خاصة في ظل تصاعد المعارضة الشعبية لأي تدخل جديد في المنطقة العربية، نتيجة التعب العام من الحرب في أوكرانيا، والأزمة الاقتصادية الخانقة، وأزمة الطاقة التي تجعل من أي تصعيد في الخليج تهديدًا مباشرًا على استقرار القارة. يُضاف إلى ذلك الانقسام الأوروبي حول سياسات الهجرة، إذ قد تؤدي الحرب إلى موجة نزوح جديدة تُثقل كاهل الدول الأوروبية سياسيًا واجتماعيًا.
قانونيًا، ما زال غياب المبرر الدولي لتدخل حلف الناتو يمثل عائقًا أساسيًا، خصوصًا أن إيران ما زالت ضمن معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ولم تعلن خروجها منها أو امتلاكها سلاحًا نوويًا، وهو ما يجعل من أي تدخل مباشر مسألة إشكالية من الناحية الشرعية الدولية.
السيناريوهات المحتملة وانعكاساتها على المنطقة العربية:
1. تصعيد عسكري واسع النطاق
إذا تطورت الحرب إلى مواجهة إقليمية مباشرة، فقد تنجر دول عربية خليجية أو شريكة للولايات المتحدة إلى المواجهة، إما نتيجة وقوع أراضيها ضمن نطاق الرد الإيراني أو كجزء من الترتيبات الأمنية الدولية.
2. شلل اقتصادي في الخليج
اندلاع مواجهة شاملة قد يؤدي إلى توقف تدفق النفط والغاز من الخليج، ما ستكون له تبعات كارثية على اقتصادات دول عربية تعتمد على تصدير الطاقة أو الدعم المرتبط بها.
3. موجات نزوح جديدة
أي تصعيد داخل إيران أو دول الجوار قد يؤدي إلى تدفقات بشرية جديدة نحو تركيا والعراق وبلدان المشرق العربي، وهو ما قد يعيد فتح ملفات النزوح واللجوء التي لم تُحل بعد منذ الحرب السورية.
4. صعود حركات المقاومة غير الرسمية
استمرار الحرب قد يمنح حركات مسلحة مدعومة من إيران في اليمن ولبنان وسوريا والعراق مساحة أوسع للتحرك، ما قد يؤدي إلى توترات أمنية في دول عربية تحاول الحفاظ على استقرارها
5. فرص للتهدئة ومفاوضات إقليمية
على الطرف المقابل، هناك احتمال أن يساهم استنزاف الطرفين في خلق مناخ دولي يدفع نحو مفاوضات إقليمية شاملة، تشمل الملف النووي، وترتيبات أمنية جديدة في الخليج، ما قد يكون فرصة لبعض الدول العربية للعب أدوار دبلوماسية مؤثرة.
في المحصلة، فإن الحرب بين إيران وإسرائيل لم تعد صراعًا ثنائيًا فحسب، بل تحولت إلى عقدة جيوسياسية تمس مصالح قوى كبرى، وقد يكون مسرح انعكاساتها الأوسع هو المنطقة العربية، التي ستبقى مهددة باضطرابات اقتصادية وأمنية طالما استمرت حالة اللايقين الدولي تجاه هذه المواجهة.