السوريون أمام اختبار الوحدة في مواجهة التحديات الخارجية

من المظاهرات الشعبية في السويداء ردا على التهديدات الاسرائيلية
من المظاهرات الشعبية في السويداء ردا على التهديدات الاسرائيلية


في لحظة مفصلية من تاريخ البلاد، يجد السوريون أنفسهم أمام اختبار جديد لوحدتهم في مواجهة التدخلات الخارجية التي تهدد سيادة وطنهم. البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني السوري، الذي عقد في دمشق، حمل تأكيدًا واضحًا على وحدة الجمهورية العربية السورية ورفض أي شكل من أشكال التجزئة أو التقسيم، في وقت تتزايد فيه الضغوط الإقليمية والدولية على الدولة السورية لإعادة رسم ملامح المشهد الجيوسياسي.

التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي دعا فيها إلى "نزع كامل للسلاح في جنوب سوريا"، جاءت لتؤكد أن الأطماع الإسرائيلية لم تتغير، وأن تل أبيب لا تزال تسعى إلى فرض معادلات جديدة تخدم مصالحها الأمنية والاستراتيجية. حديثه عن محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء كمناطق يجب أن تخضع لترتيبات أمنية مشددة ليس مجرد موقف سياسي عابر، بل هو جزء من محاولات مستمرة لخلق "منطقة عازلة" تضمن بقاء إسرائيل القوة المهيمنة في المنطقة، مستغلة في ذلك هشاشة المشهد الدولي والانشغال الإقليمي بأولويات أخرى.

ما يثير القلق أكثر هو محاولة إسرائيل تقديم نفسها كحامية لبعض المكونات السورية، حيث شدد نتنياهو على رفضه "أي تهديد للطائفة الدرزية في جنوب سوريا"، في خطاب يعكس سياسة إسرائيلية تقليدية تقوم على اللعب بالورقة الطائفية لخلق انقسامات داخلية تسهّل تدخلاتها. لكن السوريين، بوعيهم وتجاربهم، يدركون جيدًا أن مثل هذه الطروحات لا تخدم إلا الأجندات الخارجية التي تسعى إلى تفتيت المجتمع وإضعاف الدولة. الغضب الشعبي الذي أثارته تصريحات نتنياهو ليس مجرد رد فعل عابر، بل هو مؤشر على رفض وطني واسع لأي محاولة لتقسيم البلاد أو فرض وصاية خارجية على أي جزء من أراضيها.

إدانة التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية، كما ورد في البيان الختامي للمؤتمر، ليست مجرد موقف دبلوماسي، بل رسالة واضحة بأن سوريا لن تقبل بأي انتهاك لسيادتها، وأنها متمسكة بحقها في الدفاع عن وحدة أراضيها بكل الوسائل المتاحة. في الوقت نفسه، جاء التأكيد على ضرورة تحمّل المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية مسؤولياتها تجاه هذه التهديدات ليضع العالم أمام اختبار آخر: هل ستبقى القوى الكبرى تتعامل بانتقائية مع مفهوم السيادة الوطنية، أم أن هناك إرادة حقيقية لفرض احترام القانون الدولي ووقف الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة؟

اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، يحتاج السوريون إلى موقف وطني موحد يتجاوز الحسابات الضيقة والانقسامات التي أفرزتها سنوات الحرب. التحديات التي تواجه سوريا ليست فقط داخلية، بل هناك مشاريع إقليمية ودولية تسعى إلى إعادة تشكيل الخريطة السورية بما يخدم مصالح القوى الكبرى على حساب الشعب السوري. الحفاظ على وحدة البلاد لا يكون فقط عبر البيانات والمواقف السياسية، بل من خلال ترجمة هذا التوافق الوطني إلى سياسات عملية تعزز قوة الدولة وتحمي القرار الوطني المستقل. أمام هذا المشهد المعقد، يبقى الرهان الأكبر على وعي السوريين بوحدة مصيرهم، وعلى قدرتهم على إفشال كل المخططات التي تستهدف تفكيك وطنهم وتمزيق نسيجه الاجتماعي.