عندما بدأ "اليساريون" و"الفينيقيون" يتقافزون من قطار الثورةِ كالجراد والضفادع، بحجة تنامي سيطرة الإسلاميين على مقدراتها، حذّرهم ابن سوريا البار/ الأستاذ – ميشيل كيلو، من مغبة الرضوخ لهذه المخاوف، فقال قولة حقٍ أصبحتُ أعتبرُها مثلاً، وهي:
"اللي بيخاف من الجنيّة حتماً رح تطلعْ له".
الخوف من فايروس كورونا اللّعين سيطر على عقول وأفئدة الغالبية الساحقة من سكان المعمورة المعاصرين، لدرجة أن كل من يُصاب به راح يرجّح فُرَصَ الموت على فرص النجاة، وذلك على الرغم من أن الإحصائيات تظهر أن نسبة الوفيات بسبب هذا الوباء، ضئيلة جداً، ولا تزيد عن 2,13 %، وهذا يعني أن شخصين فقط يموتان من بين كل مائة مصاب بفايروس كورونا.
من الواضح أن الأستاذ ميشيل لم يكن في منأى عن هذا الخوف الجمعي، خاصة وأنه من الفئة العمرية الضعيفة أمام خُبْث هذا الوباء وسطوته. فكل ما فعله الراحل الكبير - منذ أن أدخل المستشفى - يشي بأنه كان يُرجّح فرص الموت على فرص التعافي. لقد وقع الأستاذ ميشيل في الحفرة التي حذر الآخرين من الوقوع فيها؛
"اللي بيخاف من الموت بسبب الكورونا حتماً رح يموت"
لهذا وضع الراحل الكبير نفسه في سباق مع الزمن قبل أن يتمكن منه هذا الوباء، فكثّف من وتيرة نضاله لاستعادة كرامة السوريين، التي دعسها النظام مرتين؛ الأولى – عندما اعتبرَهم مجرد أقنانٍ (مرابعين) في مزرعة آل الأسد على مدى أكثر من نصف قرن. والثانية – عندما حولهم إلى لاجئين أذلاء في مختلف بقاع الأرض، أو جائعين مقرورين أذلاء في عقر دارهم.
لم تغب عن الراحل الكبير هموم السوريين حتى عندما كان في أحرج ظروفه الصحية. كان يختلس كل لحظة يهدأ فيها الفيروس اللعين، ليخاطب الشعب الذي أمضى حياتَه كلها في خدمته؛ أوصى السوريين بتوحيد الهدف والصف، واعتصر ما تبقى من هواءٍ في رئتيه المنهكتين، ليسجل رسالة صوتية يبارك فيها لإخوته بالشهر الفضيل،،،
أليست هذه الأفعال قمة الإخلاص للوطن وللشعب!؟
لا أعتقد أني أبالغ إذ أقول إن رحيل الأستاذ ميشيل يمثل خسارة فادحة لسوريا والسوريين، فقد عمل من أجلهما بتفانٍ على مدى عقود، وتحمل في سبيل ذلك السجن والمنفى والتهجير.
في وسط هذا المشهد الحزين، هناك جانب إيجابي، يتمثل في إجماع الغالبية الساحقة من السوريين على اعتبار رحيل الأستاذ مأساة شخصية لهم. والتفاف الغالبية الساحقة من السوريين حول هذه القامة الوطنية الشامخة، لا بد أن يُتَرجم إلى عمل وطني جماعي، ينسجم مع وصيته.
الرحمة لروحك يا ابن سورية البار، ولتبقى ذكراك حية في ذاكرة الشعب والوطن، اللذيْن أفنيت عمرك في سبيل رفعتهما.